وإذا قالوا: نحن نسلم وجود الموجودات القديمة من غير مادة، وإنما الكلام في الموجودات المحدثة عن عدم -وهذا حقيقة قولهم- ظهر فساد مذهبهم أيضا.
فإنه إذا ثبت أن إبداعه للأشياء لا يفتقر إلى مادة، بل نفسه كافية في إبداعها مع القدم؛ فلأن تكون نفسه كافية في إبداعها مع الحدوث أولى؛ فإنه من المعلوم: أن المحدث أضعف من القديم، وأقل في الوجود، وأن ذاك أكمل منه وأقوى؛ فإن كان مكتفيا بنفسه في إبداع الأكمل الأقوى؛ فكيف لا يكتفي بنفسه في إبداع الأنقص الأضعف.
ومن المعلوم ببداية العقول: أن الفاعل للأكمل الأقوى بنفسه لا يكون محتاجا في الأنقص الأضعف إلى غيره؛ لا مادة، ولا غير مادة.
وهذا بين واضح وليس لهم عليه سؤال؛ لكن غايتهم أن يقولوا: يمتنع أن يحدث عنه شيء بعد أن لم يكن حادثا؛ لأن ذلك يقتضي سببا حادثا.
وهذه حجتهم الأخرى -وهي الكبيرة- وسنبين إن شاء الله فسادها.
وإنما المقصود هنا: بيان فساد حجتهم من جهة إثبات المادة، وأن الحادث لا بد له من مادة قديمة؛ لأن الوجود عن العدم المحض لا يمكن؛ فإن هذه الحجة فيها إجمال يوهم المستمع: أنه يوجد بلا موجد.
ومعلوم أن هذا باطل. ومقصودهم: أنه يوجد من غير مادة.
ومعلوم أنه لا يجب فيما يبدعه الباري أن يكون له مادة؛ فإنه يبدع القديم عندهم بلا مادة؛ فعلم: أنه وحده مستغن في إبداع ما يبدعه / (¬1) عن مادة، وأنه وحده يبدع الأكمل الأعلى؛ فكيف لا يبدع وحده الأنقص الأدنى.
مخ ۶۳