[إبطال ما يورده المتفلسفة على المتكلمين في قولهم: (خلق عن عدم)]
والمقصود هنا: أن القرآن ينفي أن يكون الإنسان خلق من غير شيء، وأخبر: أنه خلقه ولم يكن شيء؛ فلا نحتاج أن نقول: إنه خلق من عدم؛ فإن العدم ليس بشيء.
فإذا قلنا: خلق من عدم. يظن الظان: أنه خلق من غير شيء خلقه؛ بل خلق من خالق خلقه، وهو حي قيوم عليم سميع بصير قدير؛ فلم يكن موجود إلا من موجود، ولم يكن وجود من عدم محض.
وبطل بهذا ما يورده المتفلسفة على المتكلمين في هذا المقام؛ فإن أهل الكلام لما قالوا: إنه وجد من عدم، أو عن عدم؛ فإنما أرادوا بذلك: أنه وجد بعد العدم، لم يريدوا بذلك: أن نفس العدم خرج منه شيء؛ فإن العدم لا شيء. ليس للعدم فيما يمكن أن يقدر خروج وجود منه، ولا دخول وجود فيه، وإنما الذهن القاصر يقدر العدم كأنه موضع مظلم، أو خلاء وراء العالم، أو نحو ذلك من الخيالات؛ فيتوهم دخول شيء فيه أو خروج شيء منه.
مخ ۵۶