ولهذا لم يثبت القرآن العلم بالصانع بهذه الطريق؛ بل بالطرق المعروفة فيه، وما ذكرناه من قوله: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} (¬2) من أوجز الطرق وأظهرها، وهي استدلال الإنسان بنفسه التي لا شيء إليه أقرب إليه منها، وكذلك استدلاله بما يذكره من خلق سائر المخلوقات / (¬3) كما قد بسطناه في غير موضع، وبينا استغناء الطرائق القرآنية عن ما يسلكه الفلاسفة والمتكلمون من تعليل الافتقار إلى الصانع: هل هو الحدوث؟ أو الإمكان؟ وبينا الحكمة في تسميتها آيات، وأنها بنفسها مستلزمة لثبوت الصانع.
وفي بعض طريقة القرآن غنية عن الكلام المحدث المبتدع المذموم عند السلف والأئمة؛ لاشتماله على باطل: إما في الحكم، وإما في الدليل الذي أثبتوا العلم بالصانع بإثبات حدوث العالم، وأثبتوا حدوث العالم بحدوث الأجسام، وأثبتوا حدوث الأجسام بدليل الأعراض، وبحدوثها، وامتناع (حوادث لا أول لها).
وكل هذه المقدمات: إما باطلة، وإما غير مدلول عليها.
وأحسن أحوالها: أن تكون دقيقة؛ ويا ليتها مع الدقة تكون صحيحة مدلولا عليها.
مخ ۵۵