ومتى قويت الطبيعة على العقل أوهنته وغيرته، ومتى توهن وتغير تغيرت المعاني في وهمه، وتمثلت له على غير حقيقتها. ومتى كان كذلك كل عن إدراك ما عليه في العاقبة، وزينت له الشهوات ركوب ما في العاجلة.
ومتى - أيضا - فضلت قوى عقله على قوى طبائعه أوهنت طبائعه، ومتى كانت كذلك آثر الحزم والآجلة على اللذة العاجلة، طبعا لا يمتنع منه، وواجبا لا يستطيع غيره.
وإنما تكون النفس مختارة في الحقيقة، ومجانبة لفعل الطبيعة إذا كانت أخلاطها معتدلة، وأسبابها متساوية، وعللها متكافئة، فإذا عدل الله تركيبه وسوى أسبابه، وعرفه ما عليه وله، كان الإنسان للعقل مستطيعا في الحقيقة، وكان التكليف لازما له بالحجة.
ولولا أنك تحتاج إلى التعريف بأن المأمور المنهي لا بد له من التسوية والتعديل لما قال الله تعالى: " والأرض وما طحاها. ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها ".
ولو جاز أن يعلم موضع غيها ورشدها من غير أن يسويها ويهيئها لكان ذكر التسوية فضلا من القول. والله يتعالى عن هذا وشبهه علوا كبيرا.
مخ ۵۹