ولن يكون أيضا مع ذلك كله للفعل مختارا، وله في الحقيقة دون المجاز مستطيعا، إلا وجميع أوامره في وزن جميع زواجره، حتى إذا ما قابلت بين مرجوهما ومخوفهما، وبين تقديم اللذة وخوف الآخرة، وبين تعجيل المكروه وتأميل العاقبة، وجدتهما في الحدر والرفع، وفي القبض والبسط سواء.
ولا يكون أيضا كذلك إلا وبقاؤه في الحال الثانية معلوم، لأن الفعل حارس والطباع محروسة، والنفس عليها موقفة. فإن كان الحارس أقوى من طباعها كان ميل النفس معه طباعا؛ لأن من شأن النفس الميل إلى أقوى الحارسين، وأمتن السببين .
ومتى كانت القوتان متكافئتين كان الفعل اختياريا، ومن حد الغلبة خارجا، وإن كانت الغلبة تختلف في اللين والشدة، وبعضها أخفى وبعضها أظهر، كفرار الإنسان من وهج السموم إذا لم يحضره دواعي الصبر، وأسباب المكث. وهو من لهب الحريق أشد نفرة، وأبعد وثبة، وأسرع حركة.
مخ ۵۸