فصل في جواب من يسأل عن المعرفة باضطرار هي أم باكتساب
قلنا: إن الناس لم يعرفوا الله إلا من قبل الرسل، ولم يعرفون من قبل الحركة والسكون، والاجتماع والافتراق، والزيادة والنقصان.
على أنا لا نشك أن رجالا من الموحدين قد عرفوا وجوها من الدلالة على الله بعد أن عرفوه من قبل الرسل، فتكلفوا من ذلك ما لا يجب عليهم، وأصابوا من غامض العلم ما لا يقدر عليه عوامهم، من غير أن يكونوا تكلفوا ذلك لشك وجدوه، أو حيرة خافوها؛ لأن أعلام الرسل مقنعة، ودلائلها واضحة، وشواهدها متجلية، وسلطانها قاهر، وبرهانها ظاهر.
فإن قال: أباكتساب علموا صدق الرسل أم باضطرار؟
قلنا: باضطرار.
فإن قالوا : فخبرونا عن من عاين النبي صلى الله عليه وسلم وحجته، والمتنبي وحيلته، كيف يعلم صدق النبي من كذب المتنبي، وهو لم ينظر ولم يفكر؟ فإن قلتم: إنه نظر، وفكر، فقد رجعتم إلى الاكتساب.
مخ ۶۰