ويرى منكرًا لا يقدر على إزالته لا بيد ولا بلسان فينكر بقلبه فذو السلطان له يد يمكن أن يقيم دين الله -تعالى- بيده (فله) الجهاد بالسيف واللسان والطعن بالخطى والسنان.
وقد يمكن ذلك لمن له جاه أو هو رئيس قومه أو قريته ومن يكون مطاعًا ومن لم يمكنه ذلك انتقل إلى المرتبة الثانية -وهي أدنى من الأولى- الأمر باللسان، وهذه المرتبة يمكن للعلماء أن يقوموا بها، لأن لهم من السلطان على الكلام وتبيين دين الله ما لم يكن لغيرهم فيمكنهم أن يقيموا الأدلة والبراهين عليه، وهم الحكام بالعلم على سائر الخلق، وهم ورثة الأنبياء، ومن كان منهم قاضيًا عالمًا في حقه اليد واللسان، وليس ذلك مخصوصًا بأحد دون أحد، بل من أمكنه أن ينكر باليد ولم ينكر فقد عصى، ومن أمكنه أن يمكر باللسان ولم ينكر فقد عصى، ومن لم ينكر بقلبه فقد عصى.
وصفة الإنكار بالقلب أن يعبس عند رؤية المنكر ويكره ذلك بقلبه كراهية شديدة.
قال القاضي أبو يعلى: ويجب فعل الكراهة للمنكر كما يجب إنكاره، لأن الشارع أوجب فعل الكراهة بالقلب بقوله: (فإن لم يستطع فبقلبه) انتهى.
فقوله ﷺ: (وذلك أضعف الإيمان).
قال النواوي: معناه -والله أعلم- أقله ثمرة- انتهى.
فأخبر النبي ﷺ أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم أبواب الإيمان فلا يجوز لأحد السكوت عنه أصلًا، لأنه واجب بأمر الله ورسوله- والله أعلم.
قال القاضي أبو الفضل عياض ﵀: هذا الحديث أصل في صفة التغيير فحق المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به قولًا كان أو فعلًا، فيكسر آلات الباطل، ويريق المسكر أو يأمر من يفعله، وينزع الغصوب ويردها إلى أهلها بنفسه، (أو بأمره إذا أمكنه).
وسيأتي - في الباب الرابع- من حديث عمر بن الخطاب مرفوعًا-: (أنه يصيب أمتي في آخر الزمان من سلطانهم شدائد لا ينجو منها إلا رجل عرف دين الله فجاهد عليه بلسانه ويده وقلبه فذلك الذي سبقت له السوابق) الحديث.
فإن تعاطى (ذلك الأمر بنفسه) فهو أولى من أن يأمر غيره بفعله.
وقد كان النبي ﷺ يغير المناكر بنفسه أحيانًا-.
1 / 69