الحديث الآخر الذي في الصحيحين في باب صلاة العيدين أن أبا سعيد هو الذي جبذ بيد مروان حين رآه يصعد المنبر. وكانا جاءا معًا فرد عليه مروان مثل ما رد هنا.
قال النواوي: فيحتمل أنهما قضيتان إحداهما لأبي سعيد والأخرى للرجل بحضرة أبي سعيد.
قوله ﷺ: (فليغيره).
قال النواوي ﵀: هذا أمر إيجاب بإجماع الأمة. فقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهو من النصيحة التي هي الدين، ومن أجله بعث الله رسله، وأنزل كتبه، ووصف هذه الأمة وفضلها -لأجله- على سائر الأمم التي أخرجت للناس.
وقوله: (فإن لم يستطع فبلسانه) يعني إن غلب على ظنه أنه إن غير بيده يسبّب منكرًا أشد منه كف يده، واقتصر على القول باللسان، والوعظ والتخويف، فإن خاف أن يسبب قوله مثل ذلك غير بقلبه وكان في سعة، وهذا هو المراد بهذا الحديث.
وقوله: (فبقلبه) معناه فليكرهه بقلبه وذلك هو الذي في وسعه وطاقته.
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد القوي -في نظمه-:
وأضعفه بالقلب ثم لسانه ... وأقواه إنكار الفتى الجلد باليد
فتضمن هذا الحديث: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له ثلاث مراتب ليس إلا:
الأولى: إزالة المنكر باليد وذلك يكون لمن كان له سلطان يخاف، وإلا قد يأمر وينهي باليد من كان حقيرًا بين الناس ويأمر كثيرًا فيفضي إلى شر وقد يفضي إلى تقاتل- كما سيأتي الكلام عليه في الباب الثاني.
المرتبة الثانية: إزالته باللسان، وهذه دون الأولى، فهذه يتصف بها العلماء، لأنهم أهل اللسان فيدعون من يتعاطى المنكر ويأمرونه وينهونه باللسان، ويستدلون على ذلك.
المرتبة الثالثة: من لم يكن له سلطان، ولا هو من أهل العلم بل هو ضعيف الإيمان
1 / 68