وقالوا: إنه لا يمكن فيها أيضا أن تستحيل بضرب من هذه الاستحالات التى يعرقها ويقر بها جميع الناس، لوجود إياها بالمشاهدة، والحواس، حتى لا يسخن شىء منها، ولا يبرد، وكذلك أيضا لا يجف، ولا يرطب. وأحرى — إذ كانت كذلك — ألا تبيض ولا تسود، ولا تتغير أصلا ضربا من التغير فى شىء من الكيفيات.
فقد أحسن أبقراط فى قوله، لما قصد لإبطال قولهم، إن الإنسان لو كانت هذه طبيعته، لما كان يألم فى حال من الأحوال. لأن الشىء الذى من شأنه أن يألم، فقد ينبغى أن تكون فيه هاتان الخلتان لا محالة موجودتين، أعنى أن يكون مستحيلا، وأن يكون حساسا.
وذلك أنه إن كان لا يقبل فى حال من الأحوال استحالة أصلا، بقى على حاله التى لم يزل عليها منذ أول أمره. وليس يبقى على حاله ما يألم.
وإن كان يستحيل أيضا كالحجارة، والخشب حتى يسخن، ويبرد، ويتجزأ، ثم لم تكن فيه غريزة حس، لم يحس بالحال التى تحدث له، كما لا تحس الحجارة.
مخ ۱۸