يا كميل: صحبة العالم دين يدان به الله، تكسب به الطاعة في حياتك، وجميل الأحدوثة بعد وفاتك، ومنفق المال يزول بزواله، والعلم حاكم، والمال محكوم عليه.
يا كميل: مات خزان الأموال، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، ها إن هاهنا علما جما لو أصبت له حملة، بلى أصبت لقنا غير مأمون، يستعمل آلة الدين لطلب الدنيا، ومستظهرا بحجج الله على أوليائه، أو منقادا لحملة الحق لا بصيرة له في حياته، فيقدح الشك في قلبه عند أول عارض من شبهة، أو منهوما باللذات، سلس القياد للشهوات، أو مغرما بالجمع والإدخار ليسا من رعاة الدين في شيء أقرب شيء بهما شبها الأنعام السائمة، اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم بحجة إما ظاهرا وإما خاف، لئلا تبطل حجج الله وبيناته وكم؟ وأين؟ أولئك الأقلون عددا، الأعظمون قدرا، هجم بهم العلم على حقائق الأمور، فباشروا أرواح اليقين، فاستلانوا ما استوعر المترفون، وأنسوا ما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى.
يا كميل: أولئك أولياء الله من خلقه، وعماله في أرضه، والدعاة إلى دينه، هاه شوقا إلى رؤيتهم.
* مصنفه: العلم مطرقة العمل، وأصله وعصامه، والعلماء قدوة العمال والعباد أعلام العباد، ومصابيح الأزمنة، وسراج الأيام ونجاة الأنام، يستضاء بهم عن حيرة الشبهات، وظلام الخطيئات، العلم يبلغ المملوك مقام الملوك، عند الإفتقار مال، وعند الإستغناء جمال، زمام حظ الدارين، يتشرف به ذوو الجهل ويدعيه كل إنسان، فإذا أريد بنقص الإنسان قيل: إنه جاهل، ولولا العلماء فمن الزهاد؟
* وقد روي أنه قيل: لبزرجمهر: المال أفضل أم العلم؟
قال: العلم.
فقيل له: ما بال العلماء يأتون أبواب الأغنياء، ولا يأتي الأغنياء أبواب العلماء؟
قال: لجهل الأغنياء بفضيلة العلم، ومعرفة العلماء بمنفعة المال.
مخ ۱۰۶