سند الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
أخبرنا القاضي الأجل تقي الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن حمزة بن أبي النجم قراءة عليه بصعدة، قال: أخبرنا الشيخ العالم محيي الدين فقيه السلف الصالحين محمد أحمد بن الوليد العبشمي القرشي مناولة، وقراءة لأكثره، قال: أخبرنا القاضي الأجل الإمام شمس الدين جمال الإسلام والمسلمين جعفر بن أحمد بن أبي يحيى رضي الله عنه قراءة عليه، قال: أخبرنا الشيخ الأديب محمد بن الحسن ذنك الأذوني قراءة عليه، قال: أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد الحسن بن علي بن إسحاق الفرزاذي قال: حدثنا السيد الإمام الموفق بالله أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن زيد الحسني، الشجري، الجرجاني رحمه الله تعالى قال:
مخ ۳۲
خطبة المؤلف
الحمد لله الذي له العزة، وذلت دونه الأعزة، والغني الذي افتقر إلى رحمته الأغنياء، وبنعمته استقلت الأعداء والأولياء، فأفصحت ألسنة الآمال بالافتقار إليه، ولا غنية لأحد عما لديه، تسبح له السموات والأرض، ومن فيهن ناطق بربوبيته، وشاهد بوحدانيته، وأشهد أن لا إله إلا الله العلي الأبد، الدائم الصمد، القيوم الأحد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أفضل الرسل، وخير من هدى إلى خير السبل، صلوات الله عليه وعلى آله الخيرة البررة الأطهار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
أما بعد: فقد سألت إملاء مختصر في المواعظ عن أشتات الناس، ونبذ من فنون ما نقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل البيت عليهم السلام، فأجبتك إليه متوكلا عليه، واستمددت من فضله عون التسديد ونجح التوفيق فإنه مجيب. هذا وفقك الله لرشاد الدارين وسداد الحظين، وكساك فضل العارفين، وجمال المتنسكين، وكمال المتقربين، وآنسك بوحدة المريدين، وأذاقك حلاوة المنقطعين، وخصك بخشية المتألهين، وزينك بوقار المتعبدين، وأكرمك بمقام المستبينين، وأصبح عقلك مستنيرا بمصباح المتقين، وضاء بنور الفائزين، وخفف عليك عبء المجتهدين، وجلا عنك جهد المستبقين، وصبر المنيبين، ووعظتك نفسك قبل الاتعاظ بك، وزجرتك عن زخرف الغرور قبل الانزجار بك، وألهمك سنة الاستعداد لمشقة المعاد، قبل انقطاع اللحاق، وفوات الارتفاق، وانقراض الحياة، وترادف الحسرات، وتحزب العبرات، وأيقظتك الخلفتان بالتأهب، قبل انكشاف التحزن والتلهب، وفجأة هادم اللذات، وذكرك مصرع البلوى والبلى هجر الشهوات والغفلات والاشتياق إلى الطاعات.
مخ ۳۳
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: المدة وإن طالت قصيرة، والماضي للمقيم عبرة، والميت للحي عظة، وليس المرء من غد على ثقة، فكأنك (قد) نصبت على سرير المنايا، ووقفت مسؤلا عن الخطايا، فألجمك الحياء، لما قد أنعم عليك من نعم بما لا يعد ولا يحصى ولا يقدر عليه إلا رب الآخرة والأولى، فسببتها لمعاصيه وذرعتها إلى سخطه وتجافيه، وتجاسرت عليه غير مكترث بأيام البلوى والبلى والليلة التي تتوسد فيها على الثرى، لا تلوي على يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، ويوم ?نفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون?[الزمر:68].ويوم ?يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه، وصاحبته وأخيه، وفصيلته التي تؤويه، ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه?[المعارج:1114].
كلا يا أيها المغتر، أما تستحي من طول ما تهمل، وتمادي ما تمطل، الآن، الآن، قبل مفارقة الأحباب، ومباينة الأصحاب، وفوات التوبة، وهجوم النوبة، وقبل أن تقول:?يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله? [الزمر:56]. فانكمش في جمع خير الخصال، ومحمدة الخلال، التوبة، واستماع العلم النافع، والدليل الناصح، والبيان الفاصح، والجهد الدائم، والقرين الصالح، ومفارقة رق الشهوات، وذكر الموت واستعداده، وفكر العرض وزاده، وتحاشي ما يلجيك إلى اعتذاره، وأفض إليه رق السر لطوع العبودية، وألزم قلبك الخشية لعظمة الربوبية، وأيقن عجز البشرية، وأكشف صداه برهبة المنية ورغبة الأمنية، وليكن قلبك في سر الخلوص أنقى عنده من جلاء العلانية وأحسن واتق ف ?إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون? ? [النحل: 128].
مخ ۳۴
وبنيت هذا المختصر على أبواب منها: 1- صفة الزهد. 2- وفضل الزاهد وصفته. 3- وهوان الدنيا ومذمتها. 4- القناعة والحرص. 5- وترك الإهتمام بالرزق. 6- وفضل الفاقة على الغنى والثروة. 7- ومحبة المساكين ومجانبة الأغنياء. 8- فضل العزلة. 9- إيثار البلاء على الرخاء، والشدة على النعمة. 10- ترك التنعم والاجتزاء باليسير. 11- المال وفتنته. 12- رفض الشهوات. 13- صرف الدنيا عن المؤمنين ومنعها عنهم. 14- في علماء السوء. 15- فضل العلم والعلماء. 16- الحث على إظهار العلم. 17- فضل مجالس الذكر. 18- في كراهية الفتوى والحديث. 19- باب في النفاق والرياء (كتاب في السمعة). 20- رياء القرآئين وصفات المنافقين. 21- في الرياء بلباس الصوفية. 22- في علامات المنافقين. 23- مداناة العلماء من الأمراء ومخالطتهم. 24- في كراهية ولاية القضاء وفضله. 25- في سرعة زوال النعم والملك. 26- في من رفض الملك وساح. 27- في احتضار الموت. 28- في التفويض إلى الله سبحانه والتوكل عليه. 29- الفزع إلى الله عند النوائب والاستعانة به والانفراج عنها. 30- في التخويف. 31- في الخوف من الله سبحانه وعذابه. 32- في الغموم والأحزان للقيامة. 33- باب في كلمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين علي عليه السلام. 34- فيما وعظ به الله المسيح عليه السلام. 35- في الحكم التي في بعض مواعظ أهل البيت عليهم السلام. 36- باب آخر في المواعظ عنهم وعن غيرهم. 37- فيما جاء في كيف الحال وكيف أصبحت. 38- باب في ذكر من حضره الموت. 39- باب آخر ولما حضر يعقوب الموت. 40- باب في اتباع الميت، وحمل الجنازة، وزيارة القبور. 41- في القبور والمقابر. 42- في الموت. 43- في إستراحة المؤمنين بالموت. 44- في عذاب القبر. 45- فيما قرئ على القبور ووجد عليها. 46- باب آخر في استراحة المؤمن بالموت. 47- في الأمل والأجل. 48- في حد العمر (فصل في الأربعين والخمسين). 49- في ذم الشباب. 50- في الشيب. 51- في الخضاب. 52- في المرض وكلام الصالحين عنده. 53- في الموت وسكراته. 54- الوصية. 55- التوبة والاستغفار. 56- في دلائل القيامة وأشراطها. 57- ذكر أفزاع القيامة والنفخة في الصور. 58- في صفات جهنم. 59- في الضحك والسرور. 60- باب صفة الجنة والنار. 61- في الرجاء والرغبة. 62- في البكاء من خوف الله تعالى. 63- في وزر الغيبة وأذى المسلم. 64- في وزر النميمة والسعاية. 65- الإشتغال بعيوب النفس عن عيوب الناس. 66- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 67- الجهاد. 68- مجاهدة النفس وهواها. 69- نبذ من كلام أمير المؤمنين والعترة عليهم السلام.
مخ ۳۶
باب في صفة الزهد
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد، أخبرنا الحسن بن عبد الله بن سعيد [العسكري]، حدثنا بكر بن عبد الله المحتسب، حدثنا ابن المنذر الكوفي، حدثنا الهيثم بن واقد الحرمي، قال: قلت لأبي حنيفة ما الزهد من كتاب الله؟ قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام عن ذلك؟ فقال: قوله تعالى: ?لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم?[الحديد: 23]. فمن كان هكذا فهو الزاهد حقا.
وليس الاعتبار به أخذه عن شخص مخصوص، وإنما الاعتبار بمعناه وموقعه، فكذلك قيل: انظروا في الكلام دون المتكلم.
(1) وقد أخبرنا أبو محمد عبد الملك بن أحمد بن يحيى الجرجرائي، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد المفيد الجرجرائي قراءة عليه، حدثنا أبو الدنيا الأشج المعمر قال: سمعت أمير المؤمنين عليا عليه السلام يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((الحكمة ضالة المؤمن ومن حيث وجدها فهو أحق بها )).
(2) ولقد جمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: (( إياك وما تعتذر منه )).
(3) أخبرني أبو الحسن الحسن بن علي بن محمد الجوهري، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي، حدثني: القاسم بن محمد، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن الحسين بن علي عليهم السلام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( وإذا صليت فصل صلاة مودع ، وإياك يا حسين وما يعتذر منه.. )) الخبر بطوله.
(4) وفي قوله: (( إياك وما يسوء الأذن )).
(5) وفي قوله: (( ما أحببت أن يأتي الناس إليك فأته لهم وما كرهت أن يأتي الناس إليك فلا تأته إليهم )).
(6) وقوله: (( اذكروا هادم اللذات )).
(7) وقوله: (( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك )).
*وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام: قصر الأمل،وشكر النعمة، والورع من محارم الله.
* وعن بعضهم: ترك كل شيء يشغلك عن الله سبحانه.
* مصنفه: ترك ما تحب لمن تحب.
مخ ۳۷
* الفضيل: هو القنوع وهو الغني.
* وعن بعضهم: خلع الراحة وبذل المجهود، وقطع الآمال.
(8) وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ليس الزهادة في الدنيا تحريم الحلال، ولا إضاعة المال ، ولكن أن لا تكون بشيء مما في يدك أوثق مما في يد الله، وأن تكون في ثواب المصيبة أرغب منك فيها لو أنها أبقيت لك )).
(9) أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، حدثنا أبو عمرو القاضي، حدثنا الحسن بن أبي الربيع الجرجاني، حدثنا القاسم بن الحكم العرني، عن عبيدالله بن الوليد، عن محمد بن سوقة، عن الحارث، عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الخيرات ، ومن أشفق من النار لها عن الشهوات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات )).
* وعن زين العابدين عليه السلام: ليس الزهد بأكل خبز الشعير، ولا الملح الجريش ولالبس الغليظ، وإنما هو تقوى تخرج عن القلب.
* وعن بعضهم: الزهادة في الدنيا أربعة: معرفة المرء بنفسه حتى لا يتفضل على أحد، وبصره بآفات الدنيا وعيوبها، وكراهيته زهرة الدنيا لما يرجو في الآخرة، واستهانتة بشدائد الدنيا ومصائبها لما يخاف منها في الآخرة.
* وعن بعضهم: الزهد أن لا تبالي بالدنيا في يد من كانت.
* وعن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام: الزهد في الدنيا عدها كالجيفة لم يتناول منها إلا اضطرارا.
* وعنه: الدنيا كالجيفة وطالبيها كالكلاب.
وقد نظمه بعضهم شعرا:
ألا إنما الدنيا كجيفة ميت وطلابها مثل الكلاب النوابح
* مصنفه: أول الزهد في الدنيا بغضها، كما أن أول الخطيئة حبها.
* لبعضهم: تجرع الصبر، وتحمل الذل، والإشتغال بالحلال.
* وفي بعض مواعظ أهل البيت عليهم السلام: كان فيما ناجى الله سبحانه موسى بن عمران عليه السلام: ما تزين المتزينون بمثل الزهد في الدنيا.
* وعن بعضهم: الزهد راحة القلب والبدن.
مخ ۳۸
(10) أخبرنا أبو علي عبد الرحمن بن محمد بن فضالة النيسابوري، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل ببخارى، حدثني مكحول بن الفضل النسفي، حدثنا أبو يحيى زكريا بن يحيى البزار، حدثنا الحسين بن بشر، حدثنا أبو خالد الأموي، حدثنا علي بن الحسن، حدثنا زياد أبو مريم، قال: سمعت عمارا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ما عبد الله بشيء أفضل من الزهد في الدنيا )).
* مصنفه: الزهد أداء الطاعات، واجتناب الكبائر، واختصاره: الإتباع لأمره، والإمتناع عن زجره.
مخ ۳۹
باب في فضل الزهد وصفته
(11) أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد، حدثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، حدثنا الحسن بن علي السراج القاضي، حدثنا زيد بن إسماعيل، حدثنا كثير بن هشام، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أبي فروة، عن أبي خلاد، وكانت له صحبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إذا رأيتم الرجل قد أوتي زهدا في الدنيا، وقلة منطق فاقربوا منه فإنه يلقن الحكمة )).
(12) أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن فضالة، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل، حدثنا مكحول بن الفضل، حدثنا محمد بن صالح الترمذي، حدثنا هشام بن عمار، عن الحكم بن هشام، عن يحيى بن سعيد، عن أبي فروة، عن طارق، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إذا رأيتم الرجل أعطي زهدا في الدنيا فاقتربوا منه فإنه يلقي الحكمة )).
* وعن المسيح عليه السلام: النظر إلى أهل الدنيا رحمة، وإلى أهل الزهد حسرة، وإلى أهل القبور عظة، وإلى الموتى عبرة.
* وعن الباقر عليه السلام: أحب العباد إلى الله وأكرمهم عليه أتقاهم له وأعملهم بطاعته.
* وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: أولئك الأقلون عددا، الأعظمون عند الله قدرا.
(13) وروي أنه ما أعجب النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيء من الدنيا ، ولا أعجبه أحد إلا أن يكون ذا تقى.
* وعن بعض أهل البيت عليهم السلام: الزاهد من لم يخرجه غضبه عن طاعة الله، ولم يخرجه رضاه إلى معصيته، وإذا قدر عفى وكف.
* مصنفه: الزاهد من لم يغلب الهوى عقله، والشهوة دينه، والشبهة يقينه.
وأخبرني أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، أخبرنا ابن بسطام، أخبرنا أبو موسى، أخبرنا أبو داود [الطيالسي]، أخبرنا سهل بن شعيب، عن عبد الأعلى ، وأثنى عليه خيرا، عن نوف البكالي قال: رأيت أمير المؤمنين عليا عليه السلام، وكان يكثر الخروج والنظر إلى السماء.
مخ ۴۰
فقال: يا نوف، أنائم أنت؟ فقلت: لا بل أرمقك بعيني يا أمير المؤمنين. فقال: يا نوف، طوبى للزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، أولئك الذي أتخذوا أرض الله بساطا، وماءها طيبا، وترابها فراشا، وجعلوا القرآن شعارا، والدعاء دثارا، وقرضوا الدنيا قرضا على منهاج عيسى بن مريم عليه السلام (في حديث طويل).
(14) أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، أخبرنا محمد بن يزداد، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان، أخبرنا وثيمة بن موسى، أخبرنا سلمة بن الفضل، عن ابن سمعان، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( لكل شيء معدن ، ومعدن التقوى قلوب العارفين )).
(15) أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن فضالة، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسماعيل، أخبرنا مكحول بن الفضل، أخبرنا محمد بن هشام السرخسي، أخبرنا علي بن مرداس، عن أبي معاوية الضرير، عن جويبر، عن الضحاك قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أزهد الناس في الدنيا فقال: (( من لم ينس المقابر والبلى ، وترك فضل زينة الدنيا، وآثر ما يبقى على ما يفنى، ولم يعد غدا في أيامه، وعد نفسه في الموتى )).
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد، أخبرنا أبو حسن القشيري، أخبرنا أحمد ابن عيسى [بن عبد الله] الكوفي [العلوي]، حدثني أبي، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: الزاهدون في الدنيا قوم وعظوا فاتعظوا، وأخيفوا فحذروا، وعلموا فتعلموا، إن أصابهم يسر شكروا، وإن أصابهم عسر صبروا.
مخ ۴۱
أخبرني أبو الحسين، الحسن بن علي، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي، حدثني: القاسم بن محمد، حدثني: أبي، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام: من نقله الله من ذل المعاصي إلى عز التقوى، أغناه الله بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا أنيس، ومن خاف الله؛ أخاف الله كل شيء منه، ومن رضي من الله باليسير من الرزق رضي منه باليسير من العمل، ومن لم يستحي من طلب المعيشة خفت عليه مؤنته ونعم عياله (في الرزق) ، ومن زهد في الدنيا أنبت الله عز وجل الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه، وتذكره دائها ودوائها وعيوبها، فأخرجه من الدنيا سالما إلى دار القرار.
مخ ۴۲
باب في الزهد في الدنيا وهوانها على الله
* قال الله تعالى: ?واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا?[الكهف:45].
* وقال تعالى: ?وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون? [العنكبوت:64].
* وقال تعالى: ?اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور? [الحديد:20].
* وقال تعالى: ?يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور? [لقمان:33].
مخ ۴۳
(16) أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد، حدثني: أحمد بن يحيى بن زهير، حدثني: أحمد بن إسحاق، حدثني: أبو أحمد الزبيري، حدثنا سفيان[الثوري]، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببعض جسدي فقال: (( كن في الدنيا كأنك غريب ، أو عابر سبيل، وعد نفسك في أهل القبور - ثم [ قال لي : يا ابن عمر ] إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك قبل مماتك، فإنك يا عبد الله ما تدري ما اسمك غدا )).
* وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: من جمع ست خصال لم يدع للجنة مطلبا، ولا عن النار مهربا، أوله عرف الله فأطاعه، وعرف الشيطان فعصاه، وعرف الحق فاتبعه، وعرف الباطل فاتقاه، وعرف الدنيا فرفضها، وعرف الآخرة فطلبها.
* وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام: إن الدنيا أهون علي من عفطة عنز في فلاة.
* وقال: حبلك على غاربك اذهبي فقد طلقتك.
* وعنه أيضا: أخبرنا أبو حاتم أحمد بن الحسن، حدثنا زيد بن عبد الله بن مسعود الهاشمي، حدثنا المعتمر ابن الخطاب أبو الدنيا، قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: الدنيا تغر، وتضر، وتمر.
* ولبعضهم: الدنيا خمرة الشيطان فمن سكر منها لم يفق إلا في عسكر الموتى، نادما بين الخاسرين.
(17) وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا )).
* وعن بعض الحكماء عن طريق عائشة: إنما الدنيا بمنزلة الماء يكفيك الري وما زاد على ذلك فهو بلاء وهم.
وفي بعض مواعظ أهل البيت عليهم السلام، عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: الدنيا كمثل الماء الملح، كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى يقتله.
* وعن المسيح عليه السلام أنه قال: من هوان الدنيا على الله أنها لا يعصى إلا فيها، ولا ينال ما عند الله إلا بتركها.
مخ ۴۴
* وعن الحسن [البصري]: يا ابن آدم، نهارك ضيفك فأحسن إليه، وإلا ارتحل يذمك، وكذلك ليلك.
* وعن بعض الحكماء: الدنيا حانوت المؤمنين، والليل والنهار رؤوس أموالهم، وصالح الأعمال بضاعتهم، وجنة الخلد أرباحهم، ونار الأبد خسرانهم.
* مصنفه: لو لم يكن فيها إلا أن صديقها المشغوف بها والواله بزخرف غرورها، والناد عنها المنكب على بهجتها يذمها لا تحلى طعمة إلا وتمر ضعفيها.
كما قال أمير المؤمنين عليه السلام:
حلاة دنياك مسمومة .... فلا تأكل الشهد إلا بسم
همومك بالعيش مقرونة .... فما يقطع الدهر إلا بهم
* وعنه عليه السلام: إذا اعذوذب جانب منها وحلى، مر جانب [وولى].
* وقد نظمه بعضهم شعرا فقال:
ومن عادة الأيام أن صروفها إذا سر منها جانب ساء جانب
* ولبعضهم:
إن المسرة للمساءة موعد .... أختان رهن للعشية أو غد
وإذا سمعت بهالك فلتعلمن .... أن السبيل سبيله فتزود
* وعن حاتم الأصم، وفضيل، وغيرهما: مثل الدنيا مثل ظلك، إن تركته تتابع، وإن طلبته تمانع.
* وعن بعضهم: الدنيا خراب، وأخرب منها قلب من يعمرها، والآخرة دار عمران، وأعمر منها قلب من يطلبها.
* وروي في بعض مواعظ أهل البيت عليهم السلام: أنه سئل أبو ذر رحمة الله عليه: ما لنا نكره الموت؟ فقال: لأنكم عمرتم الدنيا وأخربتم الآخرة فتكرهون الانتقال من العمران إلى الخراب.
* وفيه أيضا: ملك ينادي كل يوم: يا ابن آدم، لد للموت، واجمع للفنا، وابن للخراب.
* وعن بعضهم:
أرى طالب الدنيا وإن طال عمره .... ونال من الدنيا سرورا وأنعما
كبان بنى بنيانه فأتمه .... فلما استوى ما قد بناه تهدما
* وما هو أوقع وألخص وآخذ للقلب قوله تعالى: ?حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون? [الأنعام:44].
* وعن المسيح عليه السلام: الدنيا قنطرة، فاعبروها ولا تعمروها.
مخ ۴۵
* وفي بعض كتب أهل البيت عليهم السلام: كان فيما وعظ لقمان ابنه: يابني، إن الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم، فلم يبق ما جمعوا، ولم يبق من جمعوا له، وإنما أنت عبد مستأجر، قد أمرت بعمل ووعدت عليه أجرا، فأوف عملك، واستوف أجرك، ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة في زرع أخضر تأكله حتى إذا سمنت فكان حتفها عند سمنها، ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها، وتركتها فلم ترجع عليها آخر الدهر، جزها ولا تعمرها فإنك لم تؤمر بعمارتها، واعلم أنك ستسأل غدا عن أربع: شبابك فيما أبليته؟ وعمرك فيما أفنيته؟ ومالك من أين اكتسبته؟ وفيما أنفقته؟ فتأهب لذلك وأعد له جوابا، ولا تأس على ما فاتك من الدنيا، فإن أباطيل الدنيا لا يدوم بقاؤها، وكثرتها لا يؤمن بلاؤها، فخذ حذرك، وجد في أمرك، واكشف الغطاء عن وجهك، وتعرف لمعروف ربك، وانكمش في فراغك قبل أن يقصد قصدك، ويفصل قضاءك، ويحال بينك وبين ما تريد .
* وقال الباقر أبو جعفر محمد بن علي عليه السلام، لجابر الجعفي: يا جابر أنزل الدنيا كمنزل نزلته ثم أردت التحول من يومك ذاك، أو كمال اكتسبته في منامك فاستيقظت وليس في يدك شيء، وإذا كنت في جنازة فكن كأنك سألت الرجعة إلى الدنيا لتعمل عمل من عاين الموت، فإن مثل الدنيا عند العلماء كفييء الظلال.
* لمصنفه:
ألا إنما الدنيا كظلة راكب رويد ظلال الركب ذروة دابر
* وعن زين العابدين عليه السلام:
أحلام نوم أو كظل زائل إن اللبيب بمثلها لا يخدع
(18) أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد، حدثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، حدثنا علي بن الحسين بن إسماعيل، حدثنا الربان بن الزغلي، أخبرنا عبدالكريم بن روح، حدثنا [أبو] المقدام، عن الحسن [البصري]، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: (( مالي وللدنيا مالي ولها ، إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب مر بشجرة فاستظل في ظلها ساعة من نهار، ثم راح وتركها )).
مخ ۴۶
(19) وأخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، حدثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، حدثنا القاسم بن عباد الخطابي، حدثنا إسحاق بن إسرائيل، حدثنا مسلم بن خالد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر )).
* وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام: الدنيا دار عناء، وفناء، وبكاء.
* وعن زيد بن علي عليه السلام: الدنيا دار عناء، وفناء، وغير، وعبر، فمن العناء أن الدهر موتر قوسه، لا تخطي سهامه، ولا تأسو أجراحه، يرمي الحي بالموت، والصحيح بالعطب، آكل لا يشبع، وشارب لا يروى، ومن العناء أن المرء يجمع ما لا يأكل، ويبني ما لا يسكن، ثم يخرج إلى الله سبحانه فلا مال نقل، ولا بناء حمل.
مخ ۴۷
أخبرني أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، أخبرنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي، عن عمه، قال: حججت، ونزلت صربة في يوم الجمعة، وإذا أعرابي قد كور عمامته، ونكب قوسه، فصعد المنبر، وأثنى على الله، ثم قال: أيها الناس إنما الدنيا دار ممر، والآخرة دار مقر، فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم، فإنه لن يستقبل أحد يوما من عمره إلا بفراق آخر من أجله، وإن أمس موعظة، واليوم غنيمة، وغدا لا ندري من أهله، فاستصلحوا ما تقدمون عليه، وراقبوا ما ترجعون إليه، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففيها خلقتم وإلى غيرها ندبتم، وأنه لا قوي أقوى من الخالق، ولا ضعيف أضعف من المخلوق، فلا مهرب من الله إلا إليه، وكيف يهرب من يتقلب في يد طالبه؟ و?كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور?[آل عمران:185] .
* وروي أن هارون بن محمد الملقب بالرشيد لما فتح أنقرة، وجد على بابها حجرا منصوبا عظيما، عليه كتاب باليونانية ترجمته: يا ابن آدم غافص الفرصة عند إمكانها، وكل الأمور إلى وليها، ولا يحملك إفراط السرور على مأثم، ولا تحملن على نفسك هم يوم لم يأتك، إن يكن من أجلك يأتك الله فيه برزقك، لا تكن أسوة المغرورين في جمع المال فكم رأينا من جامع لبعل حليلته، و(من) تقتير المرء على نفسه توفيره لخزانة غيره، ينبغي لحكماء اليونانية أن ينظروا في هذا الكتاب كل صباح.
* لمصنفه:
أعاذل فارفضن سبل الملام
غرامي القصد من همم الغرام
لمحت رواغب الأيام طرا
فما هي غير أحلام المنام
زممت مطامعي عنها لعلمي بأن زمامها يرخي زمامي
مخ ۴۸
وإن فضول زينتها غرور
وروح الروح في دار المقام
وإن جميع منيتها خداع
وريحان المنى دار السلام
فلا تقدم لمعصية تذكر
صراعك مرغما تحت الرغام
ولا تقدح هواك بكل نبل
وراقب ما تجازى في الختام
فكل مزارع لا بد يوما
سيحصد زرعه عند الصرام
ستجني ما غرست بلا ارتياب
فغرس الخير أنجح في الفصام
لقد حسرت يداك على اغترار
ببارق خلب مر الفطام.
* وكان أمير المؤمنين عليه السلام يتمثل:
ومن يصحب الدنيا يكن مثل قابض على الماء خانته فروج الأصابع
* وكان سفيان الثوري يقول: الدنيا دار إلتواء لا دار إستواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، من عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء.
* وعن بعضهم:
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق
* الأصمعي قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء، يقول: كنت أدور في ضيعة لي فسمعت إنسانا يقول:
وإن امرءا دنياه أكبر همه لمستمسك منها بحبل غرور
قال: فنقشه أبو عمرو على فص خاتمه.
مخ ۴۹
* الأصبغ بن نباته، قال: كنت جالسا عند أمير المؤمنين عليه السلام، فجاء إليه رجل فشكى إليه الدنيا. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار غناء لمن تزود منها، ودار عافية لمن فهم عنها، مسجد أحباء الله، ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته، ومتجر أوليائه، كسبوا فيها الجنة، وربحوا فيها الرحمة، فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها، ونادت بانقطاعها، ونعت نفسها وأهلها، فمثلت ببلائها البلاء، وشوقت بسرورها إلى السرور، راحت بفجيعة، وابتكرت بعافية، تحذيرا وترغيبا وتخويفا، فذمها رجال غداة الندامة، وحمدها آخرون، ذكرتهم فذكروا، وحدثتهم فصدقوا، فيا أيها الذام للدنيا المغتر بغرورها، متى استدنت إليك الدنيا؟ متى غرتك؟ أبمنازل آبائك من الثرى؟ أم بمصارع أمهاتك من البلى؟ كم مرضت بكفيك؟ وكم عللت بيديك؟ تبتغي لهم الشفاء، وتستوصف لهم الأطباء، لم تنفعه بشفاعتك، ولم تستعف له بطلبك، مثلت لك به الدنيا نفسك، وبمصرعه مصرعك، غداة لا يغني بكاؤك، ولا ينفع أحباؤك.
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، أخبرنا أبو بكر بن دريد، حدثنا أحمد بن عبد الله بن سويد بن منجوف، حدثنا أحمد بن عبد الله القرشي، حدثنا يحيى بن عبد الله بن حسن، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، في هذه الرواية: ثم التفت إلى الحسن بن علي عليه السلام فقال: إن الناس يذمون الدنيا، وهي راحلتهم إلى الآخرة.
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، أخبرنا أبو بكر بن دريد، حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، قال: قال رجل لأمير المؤمنين علي عليه السلام: صف لنا الدنيا؟ فقال: ما أصف لك من دار من صح فيها أمن، ومن سقم ندم، ومن أفتقر حزن، ومن أستغنى فتن، حلالها حساب، وحرامها عذاب.
* وعن بعضهم: الدنيا جمة المصائب، رنقة المشارب، لا تمتع صاحبا بصاحب.
مخ ۵۰
(20) أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، قال: أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، قال: حدثنا ابن منيع، حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات )).
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، حدثنا القاسم بن الحسن الزبيدي، أخبرني محمود الوراق، عن عبدالمجيد، عن أبيه، قال: قيل للباقر محمد بن علي عليه السلام: من أعظم الناس قدرا؟ قال: من لم يبل الدنيا في يد من كانت.
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، حدثنا محمد بن عمرو التستري، حدثنا الحارث بن محمد التميمي، حدثنا المدائني، عن سعيد بن أبي سعيد، قال: قال محمد بن الحنفية: من كرمت نفسه عليه صغرت الدنيا في عينيه.
* مصنفه: ولو لم يكن فيها إلا متابعة الأنذال الأرذال، ومصاحبة المتسفهة، الأدنياء الأغفال لكفى.
كما قيل عن بعضهم: من أراد الدنيا صحب الأدنياء، فإن خالقها ذمها، وإن من رغب عنها رغب فيه الناس وتحابوه، ومن مال إليها مال عنه الناس [وتحاشوه] ، وحبها رأس كل خطيئة، حلوتها مرة الآخرة، ومرتها حلوة الآخرة، ومن هوانها أنه لا يعصى الله إلا فيها، ولا ينال ما عنده إلا بتركها، والمطلوب من الأمور خواتمها، وهي لا شيء عند خواتيمها، وعظم مقصودها الأخبثان منوط بهما نهاية المذمة، كما قال أمير المؤمنين متمثلا شعرا:
فإنك مهما تعط بطنك سؤله وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
* وكما حكي عن بعضهم: وقد سئل عن الدنيا [فأشار] إلى مزبلة براز فقال: هذه الدنيا ونهمتها، فهل تبدل بنعيم الأبد، والروح السرمد؟ والانسلال عن كدرها إلى غاية الأماني والآمال، تبدل ذهبا بخزف، وبدرة بمدرة، لإيثارك العاجل الخسيس، ورفضك الآجل النفيس؟
مخ ۵۱
(21) فما عند الله سبحانه إلا كما أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن فضالة، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل، حدثنا مكحول بن الفضل، حدثنا عبد الله بن محمود المروزي، حدثنا الخلال، عن ابن المبارك، عن مجالد، عن قيس بن أبي حازم، عن المستورد بن شداد، قال: كنت في الركب الذين وقفوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على السخلة الميتة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( هذه هانت على أهلها ))؟ قالوا: من هوانها ألقوها يا رسول الله؟ قال: (( الدنيا أهون على الله من هذه على أهلها )).
(22) وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة من ماء )).
(23) أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، أخبرنا سيران بن محمد إجازة، حدثنا محمد بن مرزوق، حدثنا عبيدالله بن حرب، حدثنا عدة من أهل الجزيرة، عن محمد بن آدم، عن قنبر مولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من في الدنيا ضيف وما في يده عارية فالضيف مرتحل والعارية مردودة )) (مؤداة) .
* وعن بعض الحكماء: الدنيا مزرعة الآخرة، فواحد يزرع الدرجات، وواحد يزرع الدركات.
* لبعضهم:
ياساكن الدنيا وقد أوطئتها .... ولتبرحن وأن كرهت براحها
ما زلت تنقل مذ خلقت إلى البلى .... فانظر لنفسك إن أردت صلاحها
* وعن غيلان: حلو رضاعها، مر فطامها، الحق فيها مهجور، والباطل متبوع.
* وعن بعضهم: يا ابن آدم، إنك في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك، وإنك لتطأ أرضا عما قليل هي قبرك.
* وعن الحسن: إن أردت أن تنظر إلى الدنيا بعدك، فانظر إليها بعد موت غيرك. وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
مخ ۵۲