حکمت غرب
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
ژانرونه
على طريقة العقليين التقليدية.
ولقد تحول اهتمام كارناب، آخر الأمر، إلى موقف مختلف كل الاختلاف إزاء المشكلة الرئيسية للفلسفة الوضعية المنطقية. فلو استطاع المرء اختراع لغة صورية مركبة بحيث لا يمكن أن تصاغ فيها قضية غير قابلة للتحقيق، عندئذ يؤدي الأخذ بمثل هذه اللغة، إلى تلبية جميع المطالب الوضعية؛ إذ سيكون مبدأ التحقيق جزءا لا يتجزأ من بنية النسق ذاته، غير أن هذه الطريقة في معالجة المشكلة غير كافية بدورها. ومن أسباب ذلك أن مسائل المعنى لا يمكن إرجاعها إلى تركيبات في البنية اللغوية، التي تتعلق بأساليب الربط بين الكلمات. وفضلا عن ذلك فإن بناء مثل هذا النسق يفترض ضمنا أن جميع الكشوف قد تم إنجازها من قبل. ففكرته من هذه الزاوية معادلة في بعض جوانبها لبناء النسق الهيجلي، الذي كان مبنيا على رأي مماثل هو أن العالم قد انتقل إلى مرحلته النهائية.
وهناك شخصية لها قدر من الأهمية بالنسبة إلى الوضعيين المنطقيين، رغم أن صاحبها لم يكن عضوا في حلقة فيينا، هي شخصية فتجنشتين
Wittgenstein . فقد كان لنظرياته المنطقية الأولى تأثير كبير على تفكير الوضعيين. ولكن التطورات المتأخرة، ذات الطابع اللغوي، التي طرأت على فكر فتجنشتين هي التي حولت الوضعية المنطقية في اتجاه جديد بمجرد أن أصبحت لها ركيزة في إنجلترا.
لقد تفرعت الحركة الوضعية عدة فروع متباينة، من أهمها مدرسة التحليل اللغوي التي سيطرت على الفلسفة الإنجليزية خلال العقود الأخيرة. وهي تشترك مع الوضعية المنطقية الأصلية في القول بأن جميع الإشكالات الفلسفية إنما نتجت عن الاستخدام الفضفاض للغة، وهكذا يرون أن كل سؤال صيغ على نحو سليم له إجابة واضحة دقيقة، ومهمة التحليل هي أن يبين أن المسائل الفلسفية، إنما تنشأ عن إساءة استخدام اللغة نتيجة للإهمال، وما إن يتم الكشف عن عناصر الغموض في هذه الأسئلة ويلقى عليها ضوء ساطع، حتى يتضح أن المشكلات لا معنى لها، وتتلاشى من تلقاء ذاتها، وهكذا فإن الفلسفة إذا ما استخدمت على النحو الصحيح، ينبغي النظر إليها على أنها ضرب من العلاج اللغوي.
ولنضرب لهذا المنهج مثلا بسيطا، وإن لم أكن أنا شخصيا أقبل الحجة المتعلقة بهذه المسألة؛ فكثيرا ما يحدث أن يتساءل شخص عن كيفية بدء كل شيء، فما الذي بدأ مسيرة العالم، ومن أية نقطة بدأ مساره؟ ولكن بدلا من أن نقدم إجابة، دعونا ندقق في صياغة السؤال. إن الكلمة المركزية في السؤال هي (البدء)، فكيف تستخدم هذه الكلمة في الحديث العادي؟ لكي نجيب عن هذا السؤال الفرعي، ينبغي أن ننظر إلى نوع الموقف الذي نستخدم فيه الكلمة عادة، فقد نتحدث عن حفل موسيقي قائلين إنه يبدأ في الساعة الثامنة، وقبل البداية ربما كنا قد تناولنا العشاء في المدينة، وبعد الحفل نعود إلى البيت، والشيء الهام الذي ينبغي ملاحظته هو أن الكلام عما حدث قبل البداية وبعدها كلام له معنى، فالبداية هي نقطة في الزمان تحدد مرحلة لشيء يحدث في الزمان، فإذا ما عدنا الآن إلى سؤالنا الفلسفي اتضح لنا على الفور أننا نستخدم فيه كلمة «البداية» بطريقة مختلفة كل الاختلاف؛ إذ ليس المقصود هنا أن يكون في وسعنا الكلام عما حدث قبل بداية كل شيء ، بل إننا حين نصوغ المسألة على هذا النحو، نستطيع أن ندرك جانب الخطأ في السؤال، فالسؤال عن بداية لا يسبقها شيء أشبه بالسؤال عن مربع دائري، وحين يتضح لنا ذلك سنكف عن طرح السؤال، لأننا ندرك أنه سؤال لا معنى له.
لقد تأثرت فلسفة التحليل في إنجلترا تأثرا كبيرا بلودفيج فتجنشتين (1889-1951م) الذي كان خلال إحدى المراحل متصلا بحلقة فيينا، وقد غادر بلاده، كبقية أعضاء الحلقة، قبل أن تتجمع سحب العاصفة الهتلرية في ألمانيا، وانتقل إلى الإقامة في كيمبردج، حيث عين أستاذا في عام 1939م عندما تقاعد ج. أ. مور
G. E. Moore
وكان الكتاب الوحيد الذي ظهر له خلال حياته هو «دراسة منطقية فلسفية
Tractatus logico-philosophicus » الذي نشر عام 1921م، في هذا الكتاب عرض الرأي القائل إن حقائق المنطق تحصيل حاصل، وتحصيل الحاصل
ناپیژندل شوی مخ