حکمت غرب
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
ژانرونه
A. J. Ayer «اللغة والحقيقة والمنطق» (1936م).
لقد ساد الحركة الوضعية كلها احتقار للميتافيزيقا، واحترام للعلم. أما فيما عدا ذلك فكانت هناك فوارق ملحوظة في مسائل المنطق والمنهج العلمي، وقد أدى مبدأ قابلية التحقيق، بوجه خاص، إلى ظهور عدد من التفسيرات المتباينة. والواقع أن تاريخ الحركة يدور بالفعل حول المناقشة التي جرت بشأن أهمية هذا المبدأ ومكانته.
إن من الانتقادات الأولية الموجهة ضد النظرية القائلة إن المعنى هو قابلية التحقيق، أنها تواجه نفس الصعوبة التي تواجهها نظرية الحقيقة عند البرجماتيين. فلنفرض أننا وجدنا طريقة ما للتحقق من صحة قضية، فإذا ما قدمنا عرضا وصفيا لهذا الإجراء، كان من حقنا أن نتساءل عن معنى هذا العرض ذاته، ويؤدي ذلك على الفور إلى تسلسل لا نهاية له، للمعاني التي ينبغي تحقيقها، ما لم نعترف في مرحلة ما بأن معنى القضية، ببساطة، واضح كالشمس. ولكننا إذا اعترفنا بذلك، كان معناه القضاء على المبدأ الأصلي، وكان من حقنا عندئذ أن نسلم بأننا نستطيع إدراك المعاني مباشرة على الفور.
ويواجه الموقف الوضعي صعوبة أخرى هي رفض كل تأمل فلسفي بوصفه لغوا. ومصدر الصعوبة هو أن نظرية قابلية التحقيق هي ذاتها نظرية فلسفية، وقد حاول شليك أن يتجنب هذه العقبة بالقول إن مبدأ قابلية التحقيق هو في الحقيقة متأصل في سلوكنا، وكل ما نفعله حين نعرضه بهذه العبارات هو أن نذكر أنفسنا بالطريقة التي نسير عليها بالفعل. ولكن حتى لو كان الأمر كذلك، لكان المبدأ صحيحا في نهاية الأمر؛ ومن ثم فهو يحدد موقفا فلسفيا. ذلك لأن من المتفق عليه بين جميع الأطراف أنه ليس من قضايا العلم التجريبي.
وهنا نجد أن شليك يحاول تجنب التسلسل إلى ما لا نهاية في عمليات التحقيق المتعاقبة. فهو يرى أن المعاني تستمد في نهاية المطاف من تجارب تلقي الضوء على ذاتها، وتضفي بدورها معنى على القضايا. ولقد استهدف كارناب غاية مماثلة، عندما حاول أن يضع صيغة نسق منطقي شكلي يرد المشكلة الإبستمولوجية (المعرفية)، إلى أفكار بدائية تربط بينها علاقة أساسية وحيدة هي التعرف على التشابه.
هذه الطريقة في التصدي للموضوع ترتكز على تسليم ضمني بشكل من أشكال النظرية القائلة إن معيار الحقيقة هو التطابق.
6
وعيب هذه النظرية، من حيث تفسيرها لمشكلة المعرفة، هو أنها تقتضي منا أن نقف خارج الساحة التي تتم فيها المقارنة بين التجارب والقضايا، وقد أدرك نويرات، هذه الصعوبة، وأكد أن القضية لا يمكن أن تقارن إلا بقضية أخرى، فما يقدم دعما وتأييدا لقضية ما هو، في رأيه «قضية بروتوكولية»
(أي قضية أولية) يضعها على نفس مستوى القضايا التجريبية العادية؛ أي إنها لا تتسم بالضرورة. وقد اتخذ كارناب موقفا مماثلا، ولكنه رأى أن القضايا البروتوكولية هي نقاط لا تقبل الشك، وهو رأي تشتم منه رائحة المذهب الديكارتي. وفي كلتا الحالتين نجد أن هذه الطريقة في معالجة المشكلة تؤدي إلى نظرية تقول إن الحقيقة هي الترابط،
7
ناپیژندل شوی مخ