حکمت غرب
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
ژانرونه
Conditioned reflexes .
2
فكلنا قد سمعنا عن بافلوف وكلابه التي تفرز اللعاب. وقوام التجربة باختصار شديد، هو تقديم الطعام للحيوان في نفس الوقت الذي تعرض عليه فيه إشارة ما، كشكل معين على شاشة مثلا، وبعد فترة معينة يصبح الشكل وحده كافيا لإحداث التأثيرات الفسيولوجية التي كان يتوقع حدوثها مع تقديم الطعام، ويبدأ إفراز اللعاب بمجرد ظهور الإشارة. ويسمى هذا النوع من ردود الفعل باسم الفعل المنعكس المكيف.
والأمر الذي يفترض أن هذه الأبحاث تهدف إلى إثباته هو أن الموقف العيني، القابل للملاحظة يكشف عن أحداث معينة متصلة به، لها ارتباطات يمكن تغييرها إلى حد ما عن طريق غرس عادات معينة. وفي هذه النقطة نجد أن التفسير يستخدم علم النفس الترابطي بطريقة تقليدية إلى حد كبير ، تشبه طريقة هيوم، ولكن يبدو أن هناك نتيجة أخرى تستخلص من ذلك، هي أنه لا حاجة بنا إلى افتراض كيانات غامضة كالفكر، فكل ما يمكن أن يقال تغطيه الحوادث المترابطة، القابلة للملاحظة.
وربما كانت هذه صياغة متطرفة للقضية، ولا يمكن قبولها قطعا إلا في ضوء تحفظات معينة، ومع ذلك فيكفينا، بالنسبة إلى هدفنا الحالي، أن نشير إلى الاتجاه العام، ونستطيع أن نجد في الفلسفة تطورا مماثلا في بعض أشكال علم اللغة التي تستغني عن المعنى، بمفهومه التقليدي، وتستعيض عنه بالاستخدام الفعلي للغة، أو بالاستعداد لاستخدامها بطرق معينة في الظروف المناسبة، وهكذا تفترض هذه الاتجاهات أننا، مثل كلاب بافلوف، يسيل لعابنا بدلا من أن نفكر.
ولكننا نجد موقفا مضادا لهذا تماما في النظرية النفسية التي ترتبط باسم زيجمند فرويد
Sigmund Freud (1856-1939م). فقد بدأ فرويد من وجهة نظر بيولوجية إلى حد غير قليل، ثم انتقل بمضي الوقت إلى علم نفس يتقبل الكيانات الخفية بلا تردد. ذلك لأن مفهوم الذهن اللاشعوري يحتل في نظريته موقعا عظيم الأهمية، وهذا اللاشعور هو، حسب طبيعته ذاتها، غير قابل للملاحظة المباشرة. فإذا تركنا جانبا ، بصورة مؤقتة، الحكم على مدى صحة هذه النظرية لوجب أن نكرر أنها، على أية حال، فرض علمي مشروع إلى أبعد حد. أما أولئك الذين يبادرون إلى رفضها بدافع التعصب الوضعي، فإنهم لا يفهمون وظيفة الفرض في المنهج العلمي. ولكن لنعد إلى فرويد، فنجد أن نظرية الذهن اللاشعوري وأساليب عمله تشكل أداة لتطورات هامة متعددة في ميدان البحث النظري في علم النفس. أولها هو نظرية فرويد العامة في الأحلام، التي نشرها عام 1900م بعنوان «تفسير الأحلام»، والثاني الذي يرتبط بالأول هو نظريته في النسيان، التي ظهر عرض مبسط لها عام 1904م ضمن كتاب «الأمراض النفسية في الحياة اليومية».
إن ما يميز الحلم عن حالة الوعي واليقظة هو أنه يسمح بنوع من الحرية والتخييل لا يستطيع أن يصمد، خلال حياة اليقظة، للوقائع الصلبة التي تواجهنا، ولكن حرية الحالم هذه، مع ذلك، وهمية وليست حقيقية، وتلك هي النتيجة التي ينبغي أن توصل إليها أية نظرية عامة في الأحلام. والفرض العام الذي تتضمنه مؤلفات فرويد هو أننا في هذه الحرية نصل إلى إشباع رغبات تظل في حياتنا العادية مكبوتة لأسباب مختلفة، ولا يتسع المقام ها هنا للخوض في آلية الكبت والتركيب التفصيلي للجهاز النفسي للفرد، بل يكفي أن نشير إلى أن الحالم يكون لديه قدر من الحرية في إعادة تشكيل وإعادة بناء عناصر متنوعة لها أساس في التجربة المباشرة ويقوم بهذا العمل نفسه، لا بالنسبة إلى الرغبات المكبوتة التي ظهرت في اليوم نفسه فحسب، بل أيضا بالنسبة إلى الرغبات التي قد تكون أحيانا راجعة إلى الطفولة المبكرة ذاتها. ومهمة التفسير هي إماطة اللثام عن المعنى الحقيقي للحلم. وهذا يقتضي التعرف على رموز معينة تتدخل في عملية الكبت، من أجل إخفاء حقيقة غير مؤكدة، أو تجنب ذكر الحقائق باسمها الصحيح، إذا لم يكن ذلك مقبولا. وقد وضع فرويد خلال هذه التفسيرات مجموعة كاملة من الرموز، وإن كان الإنصاف يقتضي أن نقرر أنه كان في استخدامه لها أكثر تحوطا بكثير مما كان أتباعه. أما من الجانب العلاجي، الذي كان يهم فرويد لأنه كان طبيبا، فإن الكشف عن هذه العمليات أو تحليلها نفسيا كان يعد أمرا ضروريا من أجل التخلص من الاضطرابات الناجمة عن الكبت. صحيح أن التحليل لا يكفي لتحقيق العلاج، ولكن أية محاولة للعلاج تصبح بدونه مستحيلة. وبطبيعة الحال فإن النظرة العلاجية إلى المعرفة ليست جديدة؛ إذ قال بها كما رأينا سقراط. كما أن أصحاب مدرسة التحليل اللغوي المعاصرة يقولون برأي يقرب من هذا كل القرب عن الألغاز الفلسفية، التي يشبهونها بحالات عصاب لغوي يشفينا منها التحليل.
أما عن النسيان، فإن فرويد يربط بينه وبين آلية مماثلة للكبت. فنحن ننسى لأننا، بمعنى ما، نخاف أن نتذكر. ولا بد لكي نشفى من نسياننا أن نصل إلى فهم وإدراك للعوامل التي تجعلنا نخشى من التذكر.
لقد كانت الميزة التي اتسمت بها النظرية الفرويدية هي أنها قد بذلت محاولة جادة لتقديم تعليل علمي عام للأحلام. ولا شك أن بعض تفصيلاتها لا تقنعنا إقناعا تاما؛ إذ يبدو مثلا أن قاموس الرموز الفرويدي ليس مقبولا كله. ولكن الشيء الذي لفت الأنظار إلى التحليل النفسي بقوة تزيد عما كان يمكن أن تكون له في الظروف الأخرى، هو اعترافه الصريح بالسلوك الجنسي وكبته، وفي الوقت نفسه فإن هذه الحقيقة ذاتها جعلت التحليل النفسي هدفا لكثير من التشنيع غير المرتكز على فهم سليم.
ناپیژندل شوی مخ