حکمت غرب
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
ژانرونه
الذي كان قد أدخل في مصانع النسيج الخاصة به، في نيولانارك
New Lanark
أسسا جديدة كل الجدة لمعاملة العمال. كان أوين رجلا يعتنق آراء أخلاقية رفيعة، وأعلن أن الاستغلال غير الإنساني للعمال، الذي كان سائدا عندئذ، خطأ. وقد أثبتت ممارساته أن من الممكن إدارة عمل اقتصادي بربح مع دفع أجور مجزية للعمال، ودون أن يشتغلوا ساعات زائدة عن الحد. ولقد كان أوين هو القوة الدافعة من وراء أول «قوانين للمصانع»، على الرغم من أن أحكام هذه القوانين كانت أقل بكثير مما كان يأمل في تحقيقه. وفي عام 1827م أصبح أتباع أوين يسمون لأول مرة بالاشتراكيين.
على أن تعاليم أوين لم تعجب جماعة الراديكاليين، إذ يبدو أن هذه التعاليم كانت تهدم الأفكار السائدة عن الملكية. وفي هذه الناحية كان الليبراليون أميل إلى تحبيذ المنافسة الحرة والفوائد التي يمكن أن تنجم عنها. وقد أدت الحركة التي نمت تحت قيادة أوين إلى ظهور النظام التعاوني، وساعدت على دعم الحركة النقابية في عهدها الأول. ولكن هذه التطورات المبكرة لم تحرز نجاحا فوريا نظرا إلى افتقارها إلى فلسفة اجتماعية. فقد كان أوين قبل كل شيء رجلا عمليا يسيطر عليه إيمان قاطع بفكرته الرئيسية. وكان على ماركس أن يتولى مهمة تقديم أساس فلسفي للحركة الاشتراكية. وقد ارتكز ماركس في هذا على نظرية القيمة المبنية على العمل، كما قال بها ريكاردو، من الناحية الاقتصادية، وكذلك على الديالكتيك (الجدل) الهيجلي بوصفه أداة للبحث الفلسفي. وفي هذا الصدد نجد أن مذهب المنفعة إنما كان نقطة الانطلاق لنظريات أخرى أثبتت في النهاية أنها أقوى منه تأثيرا بكثير.
لقد تميزت بلدة تريف
Treves
على نهر الموزيل، بكثرة عدد القديسين الذين أنتجتهم طوال تاريخها. ذلك لأنها لم تكن مسقط رأس القديس أمبروز فحسب، بل إنها كانت أيضا مسقط رأس كارل ماركس (1813-1883م). ولا جدال في أن ماركس كان، من ناحية القداسة، أنجح الإثنين، وكان من العدل أن يكون الأمر كذلك. فقد كان هو مؤسس حركة قدسته، بينما كان مواطنه وزميله في القداسة مجرد واحد من المعتنقين المتأخرين للعقيدة التي كان يؤمن بها.
كان ماركس ينحدر من أسرة يهودية تحولت إلى البروتستانتية. وقد تأثر بقوة، خلال أيام دراسته الجامعية، بالهيجلية التي كانت هي الموجة السائدة عندئذ. ثم اشتغل بالصحافة، ولكن عمله هذا توقف فجأة عندما حظرت السلطات البروسية «مجلة الراين» التي كان يعمل بها عام 1843م. عندئذ سافر ماركس إلى فرنسا وتعرف إلى كبار الاشتراكيين الفرنسيين. وفي باريس قابل فريدرش إنجلز
Friedrich Engels
الذي كان أبوه يملك مصانع في ألمانيا ومانشستر. وكان إنجلز يدير المصنع الأخير، مما أتاح له أن يطلع ماركس على مشكلات العمل والصناعة في إنجلترا. وقد نشر ماركس «البيان الشيوعي» عشية ثورة 1848م، وشارك بنشاط في الثورة، في فرنسا وألمانيا. وفي عام 1849م أصدرت حكومة بروسيا حكما بنفيه، فالتجأ إلى لندن، حيث ظل - باستثناء بضع رحلات قصيرة إلى موطنه - حتى نهاية حياته. وقد كان ماركس وأسرته يعيشون أساسا على المعونة التي يقدمها إليهم إنجلز. ولكن ماركس كان، على الرغم من فقره، يدرس ويكتب بحماسة، ممهدا بذلك الطريق للثورة الاجتماعية التي شعر بأنها وشيكة الوقوع.
ناپیژندل شوی مخ