79

هوا جديده

حواء الجديدة

ژانرونه

ومما يستوقف النظر في هذه الحادثة أنه - سبحانه وتعالى - وهو أعدل الحاكمين عد ضعف حواء من أكبر الأسباب المصغرة لجرمها، والمخففة لعقابها فاقتصر فيه على تكثير أتعاب حبلها وآلام ولادتها، ولكنه عاقب الحية بأن تلعن من جميع البهائم والوحوش وآدم بأن تلعن الأرض، ويأكل منها بالتعب كل أيام حياته.

فضعف المرأة الذي عده الله في حكمه العادل مصغرا لجرمها، ومخففا لعقابها تتخذه الهيئة الاجتماعية سببا للقضاء بأقسى حكم عليها، وتوجيه أحد المطاعن إليها.

أما الثانية وهي عدم فائدة السعي في إصلاحها، وخطر التعرض له، فليست بأقل بطلانا من الأولى، ويكفي لدحضها أن الأطباء كافة يتحتم عليهم أن يواصلوا معالجة المرضى المصابين بأدواء عضالة لا شفاء لها إلى آخر رمق من حياتهم، فيعانون في هذا ما لا يوصف من المشاق ويتعرضون لخطر العدوى بأخبث الأمراض الوبيلة القتالة أملا بإمكان تخليص حياة الجسد، وهي ليست شيئا مذكورا في جنب حياة النفس التي يليق بنا - بل يجب علينا - أن نمد يد المساعدة إلى كل مغواة لإقالة عثرتها وإنهاضها من كبوتها.

وإذا سألني سائل: «أولا يدلنا الاستقراء على أن عدد اللواتي نجح فيهن هذا الدواء قليل؟» أجبت على الفور: «بلى؛ وذلك لأن عدد الذين حاولوا معالجتهن به أقل!»

وهنا مجال واسع لندب الشجاعة الأدبية ورثاء النخوة والمروءة والإنسانية ، والترحم على الأمانة والصدق والوفاء وغيرها من الفضائل التي يدعيها كثيرون من شبان هذا العصر، وما أبعدهم عن صحة هذا الادعاء.

بقيت الحجة الثالثة وهي ساقطة من نفسها لسقوط الحجتين السابقتين، وإني لأعجب لأصحابها كيف يتعدون على عدل الله في حجتهم الأولى فينقضونه، ويغيرون هنا على رحمته تعالى فيرومون حصرها وهي ملء الأرض والسماء، ويبتغون أن يخصوا هم بها دون بنات حواء، كأني به - عز وجل - لهم وحدهم غفور رحيم تواب، ولأولئك التاعسات البائسات جبار منتقم شديد العقاب، وفي هذا كفاية لذوي الألباب.

وبعد هذا كله أرى أن هذه المسألة قد انحصر تناولها إلى الآن في أقلام الرجال، وقلما تناولها قلم إحدى النساء، مع أنها إن لم تكن لهن أهم منها، فهي على الأقل تهم الجنسين على السواء، فحتام تبقى الكاتبات سواكت جوامد وقضيتهن هذه توشك أن تنطق الصخور الجلامد؟

القاهرة

أسعد خليل داغر

إلى منجد المرأة الساقطة

ناپیژندل شوی مخ