والأخرى:
ينسب الناس شقاء الجنس البشري إلى حواء القديمة؛ لأنها أغوت آدم القديم مرة، فلماذا لا ينسبون الآن هذا الشقاء إلى آدم الجديد، وهو يغوي حواء الجديدة كل يوم ألف مرة.
إيفون
ومع شدة حرصه على تمكين هذا المغزى من نفوس القراء، وترسيخه في أذهانهم لم يغفل في أثناء سرده للوقائع عن تنبيههم، واستمالة أفكارهم إلى بقية الشئون الهامة الخطيرة في المغازي الخمسة الباقية، التي سبقت الإشارة إليها.
ولما عرضها على فريق من جهابذة النقد بعثوا إليه بآرائهم فيها، فأثبتها في الملحق الأول وعقب عليها في الملحق الثاني.
وقد أنعمت النظر في آرائهم، فوجدتهم مجمعين على امتداح المؤلف واستحسان بحثه في هذا الموضوع الفلسفي الاجتماعي، وإفراغه في قالب فكاهي روائي بأسلوب جميل فصيح يقرب مسائل هذه القضية الهامة من أفهام العامة، ويسهل عليهم تناولها واستيعابها.
ولكنهم اختلفوا في الحكم على المغزى الأول الذي أثبته المؤلف.
وهو: «أن المرأة والرجل يشتركان في الإثم، والرجل غالبا هو الذي يغوي المرأة ويجرها إلى الإثم، ولكن الهيئة الاجتماعية تعاقب المرأة وحدها عقابا أبديا قاسيا، وتسامح الرجل تمام المسامحة، فلماذا يسامح؟»
فبعضهم وافق المؤلف عليه وأيده فيه، وصوب تخطئته لأحكام الهيئة الاجتماعية في هذه المسألة وغيرها من المسائل الأدبية، وبعضهم خالفه كل المخالفة في هذا المغزى وصوب حكم الهيئة الاجتماعية القاسي على كل فتاة ساقطة، وصرح: «أكثرهن - إن لم نقل: كلهن - قوارير أقذار وقرارات وقاحة وصغار، لا فائدة من تصغير جرائرهن وعطف القلوب عليهن إلا جذب من بقي عندنا سليم الفطرة إليهن.» «لقد أخطأت (أي : إيفون) خطأ وجب أن تحتمل عاقبته إلى الممات، وعبثا تتظلم من حكم الهيئة الاجتماعية عليها؛ لأنه حكم عادل، يجب أن تكون الفتاة الساقطة هذا السقوط مثل الزجاجة كسرها لا يجبر.»
ولما كنت من أكبر الناقمين على الرأي العام والهيئة الاجتماعية - سمها ما شئت - أحكامها في المسائل الأدبية عموما، وفي هذه المسألة خصوصا؛ لأنها تبنيها إما على ظواهر لا يصح الاعتماد عليها، وتسندها إلى قواعد لا يجوز الأخذ بها والاستناد إليها، فتصدرها عاطلة من حلية النزاهة والعدل والإنصاف، حافلة ببرقشة المحاباة والجور والاعتساف عمدت إلى البحث، ولو بالاختصار فيما قاله مخالفو المؤلف في الملحق الأول، وإن يكن هو قد سبقني إلى الرد عليهم في الملحق الثاني (التذييل)؛ لأن الموضوع أوسع وأهم من أن يستوفي الكلام عليه كاتب أو كاتبان.
ناپیژندل شوی مخ