في البدء حواء أغوت قلب آدمها
فلقبوها بأم الغين والياء
واليوم قل لي أتدري يابن آدم كم
من ابن آدم يغوي بنت حواء
أهدى إلي صديقي الكاتب الاجتماعي المدقق نقولا الحداد نسخة من الطبعة الثانية من قصته البديعة «حواء الجديدة»، فراقني جمال موضوعها، وشاقني حسن أسلوبها وتملكت قلبي براعة المؤلف في تنسيق حوادثها وترتيب وقائعها، وبعدما انتهيت من مطالعتها تدبرت المرامي السامية التي توخاها المؤلف في وضعها، والمغازي الشريفة التي بنى حوادث القصة عليها وأدراها حولها، ثم قرأت الفصلين الملحقين بها أحدهما «آراء بعض العلماء فيها»، والآخر «تذييل» دافع فيه المؤلف عن «إيفون مونار» بطلة هذه القصة، وبحث في محاباة الشريعتين المدنية والأدبية للرجل المشارك للمرأة في الإثم، ولخص المغازي التي اشتملت قصته عليها، وهي ستة كل منها خطير ذو شأن ولست في مقالتي هذه متحريا تقريظ «حواء الجديدة»، والثناء على مؤلفها البارع وحض القراء كافة على اقتنائها، ومطالعتها للانتفاع بفوائدها الأدبية الاجتماعية فوق التفكه، والاستمتاع بحوادثها الغرامية؛ لأنه تقدمني إلى الكلام على هذه الأمور الثلاثة كثيرون من الكتاب، فلم يغادروا فيه من متردم، وكان الفضل لمن تقدم؛ ولأن في سعة انتشار هذه القصة وشهرة مؤلفها في عالم العلم والأدب، وكثرة إقبال القراء عليها غناء تاما عن تقريظي وإطرائي وحضي وإغرائي.
بقي لي غرض واحد وهو البحث في الفصل الأول، الملحق بالقصة وهو «آراء بعض العلماء فيها»، فإن المؤلف بنى حكايته على ملك كريم أغواها شيطان رجيم، وبعد ما دنس عفافها وطهارتها وسلبها شرفها وكرامتها نبذها نبذ النواة، ومالأه على الإعراض عنها والنفور منها كل من عرفها، أو سمع بها حتى أهلها وذوو قرباها، جميع هؤلاء أثموها واستذنبوها ثم خذلوها، وخيبوها وتنقصوها وتجنبوها.
فهوت إلى حضيض الذل والخزي والعار، وهامت على وجهها في قفار الضلال توغل في الزيغ، وتتمادى في العثار وتتجرع غصص البؤس والشقاء، وتعاني من شدة التعيير والتحقير جهد البلاء، أما ذلك الفتى الذي أغواها فظل آمنا في سربه، ناعما بين أهله وصحبه، مرفوع المقام محفوفا بما شاء من صنوف التجلة والاحترام، لا يسمع من لسان ناطق زجرا ولا يلحظ من مقلة رامق شررا؛ لأن محكمة الهيئة الاجتماعية أصدرت حكمها في هذه القضية بأن إيفون مونار تستوجب ما أصابها؛ لأنها سعت إلى حتفها بظلفها، وأن من أغواها بريء كل البراءة، فلا إثم عليه ولا حرج.
هذه أخصر خلاصة للقصة، أما المغزى الأولي الذي عني المؤلف باستخراجه منها، ووجه إليه التفات قرائها على الخصوص فهو ملخص على ظهر غلافها في فقرتين إحداهما:
دنس يطلب عفيفة طاهرة ويلتمس ملاكا كريما، وعذراء وديعة لا تجد إلا خاطبا أنفق شبابه في الفساد.
صديقة إيفون
ناپیژندل شوی مخ