عزيزي نقولا
طالعت حواء الجديدة لا كرواية للتفكهة، بل كبحث في موضوع اجتماعي خطير يلذ لي الوقوف على رأي الكاتب فيه، فرأيتك قد أحسنت الوصف بل أجدت التمثيل، فأهنئك وأكتب إليك ببعض ما كان لكتابك هذا من التأثير في نفسي.
لا أرى دفاع إيفون البليغ عن نفسها في شرح سبب سقوطها مبرئا لها من وصمة الزلل التي وصمت بها جبينها بأثر لا يقبل الزوال، ولا ما كفرت به عن أخطائها من السلوك الجميل المشكور معيدا لها تلك الكرامة الضائعة، فلقد أخطأت خطأ وجب أن تحتمل عاقبته إلى الممات، كما كانت حياتها في الرواية، وعبثا تتظلم من حكم الهيئة الاجتماعية عليها؛ لأنه حكم عادل، والمصلحة العمومية تقضي بأن يكون ذنبها هذا المضيع للكرامة من الذنوب التي لا تقبل العذر، بل يجب أن تكون الفتاة الساقطة هذا السقوط مثل الزجاجة كسرها لا يجبر، اللهم إلا إذا شاء أن يرحمها كريم من الناس، فيرد لها بعض كرامتها بزواجه منها.
على أن إيفون ذات حق في احتجاجها المصيب على الهيئة الاجتماعية، التي لا تراعي الإنصاف في قضية كهذه فيها اثنان متشاركان في الجرم، فإنها تصب كل عقوبتها على الشريك الضعيف، وتترك القوي مع أن ذلك الضعيف شطره في الجريمة أخف؛ ولهذا كان لإيفون ساغ لأن تطلب من الهيئة الاجتماعية أحد أمرين: إما أن تسامحها كما سامحت الرجل الذي أسقطها بلؤمه وخداعه، وإما أن تقضي عليه بما قضت به عليها من العار والشنار بل بأشد؛ لأنه هو المغري.
وإذا لم يكن في حواء الجديدة غير هذه المسألة موضوعا للتفكر والتبصر فكفى بها، والإنسانية تطلب من الهيئة الاجتماعية أن تعدل قانونها فيما يختص بالحكم على فعل مثل ذلك الرجل الخئون، فإذا فعلت قلت هذه الجرائم التي تزداد شكوى الإنسانية منها كل يوم.
ولقد أجادت إيفون أيضا في لوم أهلها على إهمالهم لها في ساعة الخطر، فإن تصرفهم هذا عظة بالغة للآباء والأمهات الذين يتركون، بل يدفعون بناتهم للسير في السبيل الصعب الحرج كأنه سهل أمين، ويلومونهن إذا عثرن، وكان الأولى أن يأخذوا بأيديهن فيه للتوقي من عقباته.
هذا ما عن لي قوله الآن في هذا الموضوع الجليل، وأؤمل أن تتحف القراء بروايات أخرى عن الأزواج تكون نتيجتها أن يعرف كل من الزوجين مركزه الحقيقي في الهيئة الاجتماعية، ومكانته قبل الزوج الآخر، والسلام.
إبراهيم الجمال
مصر في 12 أغسطس سنة 1906 (5) حواء الجديدة
1
ناپیژندل شوی مخ