73

هوا جديده

حواء الجديدة

ژانرونه

خذ مثلا بسيطا لفساد التربية التي أشرت إليها الانتحار الكثير الشيوع في الطبقة المهذبة حسب مبادئ هذه التربية، أليس سببه تربية الناشئة على مبادئ خيالية وهمية مخالفة لنواميس الطبيعة، كما بسطت ذلك في مقالة سميتها الانتحار نشرت في جريدة البصير من عهد غير قريب؟ وخذ لذلك مثلا آخر الكذب أليس سببه الأول معاقبتنا الإنسان على الصدق، ومحاولتنا تفريق مصالحه في الاجتماع؟ أو ليست السرقة مسببة عن منعنا الإنسان عما يحتاج إليه؟ أو ليس الرياء والاحتيال سلاح الضعيف لصد القوي عن التعدي عليه إذا بدت له فرصة ضده كان انتقامه منه شديدا؟ وإلى ذلك أشار الشاعر العربي بقوله:

والظلم من شيم النفوس فإن تجد

ذا عفة فلعلة لا يظلم

فحواؤك الجديدة من الروايات الحسنة جدا في موضوعها؛ لأنها بتوجيهها الفكر إلى عيب واحد من عيوب هذا الاجتماع تنبهه إلى النظر في سائر أحواله، وتكشف له عيوبا أخرى كبيرة وتفسح له المجال للتفكير بها. وإذا لم يكن في ذلك - كما قال الإمام الغزالي - إلا ما يشككك في اعتقادك الموروث لكفى به نفعا، فإن من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي في العمى والحيرة.

فالمرأة بالطبع لما كانت أضعف من الرجل في تكوينها الطبيعي - وهذا الضعف ربما لم يكن أصليا فيها، بل من نوع التربية والعمل - كانت شرائعه كلها حيفا عليها، ولكن لا تظن أن رد فعل ذلك على الرجل لا يكون شديدا، فإذا كان سلاحه ضدها القوة فهي تقاومه بسلاح ضرره عليه أشد، وهو الرياء والاحتيال، ولقد أجاد من قال فيها مشيرا إلى حال الرجل معها:

فهي شيطان إذا أفسدتها

وإذا أصلحتها فهي ملك

ولا يخفى أن الروايات الشائعة بين الناس بعد القصص الخرافية ثلاث تمثل الأدوار التي مر عليها الإنسان في ارتقائه: روايات خيالية تصور لك الإنسان كما تريد لا كما هو، وروايات طبيعية تصفه كما هو حقيقة، وروايات اجتماعية يقصد منها كشف معائب العمران لإصلاح حال الإنسان فيه. وقد توسمت من مطالعة حوائك الجديدة ميلا بك لمثل هذه المباحث الاجتماعية، فإذا جاز لي أن أعطيك رأيا فأرى أن تسير في رواياتك على هذا النمط، فالمواضيع الاجتماعية كثيرة، وكلما خطوت خطوة بدت لك فيها عيوب كثيرة، ولا ريب عندي أنك بسلوكك هذا المسلك تستفيد وتفيد.

شبلي شميل

رمل الإسكندرية 30 يوليو سنة 1906 (3) رسالة العالم الفاضل والمؤرخ المدقق المرحوم جورجي بك زيدان مؤسس مجلة الهلال الغراء

ناپیژندل شوی مخ