72

هوا جديده

حواء الجديدة

ژانرونه

كل بغي شقية في هذه الحياة قبل الحياة الآخرة، ولكن يعز أن يوجد في بلادنا بغي لها من مكارم الأخلاق وشرف النفس وجودة الذهن بعض ما رويت عن «إيفون مونار»، ويوشك أن يوجد لها ند في بلاد الإفرنج لمكان التربية الدينية والأدبية عندهم، كما وصفت من تربيتها، فأكثرهن - إن لم نقل كلهن - قوارير أقذار وقرارات وقاحة، وصغار لا فائدة من تصغير جرائرهن وعطف القلوب عليهن إلا جذب من بقي عندنا سليم الفطرة إليهن ، أقول هذا وأنا على تعجبي من فساد فطرة من يستطيع الدنو منهن ممن يحزن لشقائهن، ويصدق أن أكثرهن مكرهات على الفجور كارهات للبغاء، لو وجدن مخرجا منه لهرعن إليه، حتى إنه سبق لي بحث مع بعض أهل الفضل في وجوب السعي لإنشاء ملجأ يؤوي من يريد التوبة منهن، ويغنيهن عن طلب الرزق بأعراضهن، ولو وجد من يسعى الآن في مثل هذا لكاد يكون للاعتذار عنهن، والاستعطاف عليهم فائدة.

لك أن تصف من شقائهن بما شئت من إسهاب لتنذر الممرضات لمثل فعلهن أن يتدهورن في مثل هاويتهن، ولك أن تصف من فساد الفاسقين وإفسادهم، وتشوه من سيرتهم بما استطعت من إطناب لتنفر عن مثل عملهم، وتحذر الفتاة الغر من تغريرهم، فتكون على بصيرة من عاقبة فجورهم، وما يتوسلون به من بهتانهم وزورهم، وليس لك في رأيي أن تجعل ما تكتب منظارا يكبر مخازي الفساق من جهة؛ ليصغر فضائح الفواسق من الجهة الأخرى.

إذا انتقدت عليك تصغير فاحشة المسافحات في مقابلة تكبير فاحشة المسافحين مرة، فإنني أنتقد الاحتجاج على تصغيرها بشيوع الفاحشة في ربات البيوت ذوات البعول سبعين مرة؛ لا لأن ذنب المسافحات أشد ضررا من ذنب ذوات الأخدار؛ بل لأن إظهار ذلك وبيان أن الناس يتسامحون مع ذوات الأخدار، وهم يعلمون بخيانتهن لأزواجهن مما يضر نشره في قصص يقرؤها النساء من العذارى والأيامى، إذ لا تتصور التي تلين للفاسق أن بذل عرضها يفضي إلى أن تكون بغيا مسافحة، وإنما يغلب على ظنها أنها تصادف زوجا يستر فضيحتها بغفلته أو قلة غيرته.

قرأت ما كتبت إيفون عن خداع ذلك الشرير لها، وعن اجتهادها في استرداد شرفها بالسيرة الحسنة عسى أن تصادف زوجا مهذبا تعيش معه عيشة راضية شريفة، وعن عجزها وإعواز ما رامت، وانتقادها إطلاق الوالدين العنان للبنات وسماحهم لهن بمعاشرة الشبان، فتمنيت لو يقرأ ذلك العذارى اللواتي أصبحن عرضة لمثل ذلك البذل لأعراضهن بإطلاق أهليهن العنان لهن مع كثرة ما يحاول الفساق من مخادعتهن، وقرأت ما كتبت عن شيوع الفاحشة في ربات البيوت وإغضاء الناس عنهن، فتمنيت لو لم تطلع عليه قارئة لا سيما إذا كانت عذراء.

هذا ما كان من أثر القصة في نفسي، استحسان لما عدا الأمرين المنتقدين من ناحية ما ينتظر من تأثيرهما في القارئات، وأرجو أن تتوخى فيما ستكتسب الغاية والفائدة أكثر مما تتوخى من حسن الوضع ولطف التعبير، وقوة التأثير، وأجدر بمن يعرض عمله لنقد الرجال أن يبلغ فيه غاية الكمال.

المخلص

محمد رشيد رضا (2) رسالة حضرة العالم النحرير الحميد الأثر الدكتور شبلي شميل

حضرة الكاتب الفاضل نقولا أفندي الحداد المحترم

تلوت رسالتك مسرورا، وتناولت هديتك شاكرا وقرأت كتابك معجبا بأسلوبه وموضوعه، أما الأول والثاني فهزة طرب من حكة جرب، وقل من يسلم منها من الناس ولو حاول سترها وأراد التنصل منها، الناس يخدعون الهيئة الاجتماعية بما يحملونها به على أن تسمهم بسمة الاتضاع، ملتمسين هكذا لطربهم بدل الهزة هزتين، ولجربهم بدل الحكة حكتين، وهو لعمري الكبر المركب ولكن مع الرياء، ونفاق في التعبير عن الشعور ولكن مع الدهاء، وربما عدوه من الذكاء، وهو بالحقيقة لهذه الهيئة من بعض المفاسد التي يعدونها محامد.

لم تقع «حواؤك الجديدة» تحت نظري حتى استغوتني كما استغوت حواء آدم من قبل، فقمت أطالعها ولا ألوي على شيء حتى استنفدت في قراءتها بعض ليلة ويوم، وقد أعجبني جدا منهاجكم فيها إذ جعلتموها في أسلوب رواية اجتماعية حسنة السبك مؤثرة منبهة تشوق القارئ مطالعتها، وتؤثر في عواطفه وقائعها وتستفز حميته مظالمها، حتى إذا انتقل من ذلك إلى إعمال الفكرة في نظام الاجتماع لم يقف عند هذا الحد من الحيف، بل بدت له معائبه الكثيرة في شرائعه وعاداته وأحكامه، والتي لم ينظر فيها إلا إلى تأييد جانب القوة وهضم حقوق الضعيف في كل أموره، حتى جاء نظامه المصطنع مخالفا لمبدأ نظامه الطبيعي، ففسدت التربية العائلية والاجتماعية والمدرسية، وكانت سببا لمتاعب الإنسان ولكل الشرور التي شكا الاجتماع منها في الماضي، ولا يزال يشكو منها في الحال، والإفاضة في ذلك من المباحث الاجتماعية الكثيرة التشعب ، التي لا يسمح المقام في هذه العجالة إلا بالإلماع إليها على وجه إجمالي، والتي يعبر عنها بأفصح بيان هذا الاضطراب الذي نشاهده كل يوم في أحوال العمران لرده إلى مجراه الطبيعي؛ لأن النواميس الطبيعية كالأجسام المرنة إذا فسرتها، فهي تحاول دائما أن تعود إلى حالتها الأصلية، وكلما كان الضغط عليها شديدا كان رد الفعل فيها شديدا كذلك.

ناپیژندل شوی مخ