قال الطبيب: وما رأيت في حياتي امرأة استنزف السقام دماءها، وأذاب جسمها إلى أن صارت رسما أو خيالا إلا زالت كل مسحة جمال فيها، أما إيفون فكان السقام كأنه يبدد كثافة إقنومها الروحاني، فتراءت لي في ساعة احتضارها أجمل امرأة يتصورها العقل، ولا ريب عندي أن تلك المرأة احتملها الملائكة الأبرار إلى عالم الأبدية السعيدة؛ لأنها ماتت قديسة مطهرة، والله غفر لها جزاء حبها الصادق وإنكارها لنفسها.
مصر في 5 مايو سنة 1906
نقولا الحداد
آراء بعض العلماء في «حواء الجديدة»
لما فرغت من طبع هذه الرواية خطر لي قبل نشرها أن أستوضح آراء بعض علمائنا الأفاضل فيها، لا سيما في الفكرة التي دارت وقائع الرواية على محورها، والنهج الذي انتهجته لها؛ لأن كل امرئ يرى عمله حسنا مهما كان، فإذا لم يعرضه على نظر الغير لم ينتبه إلى ما فيه من الأخطاء؛ ولذلك بعثت ببضع نسخ من الرواية إلى بعض من عرفوا بالأريحية والفضل في عالم العلم والأدب، ورجوت منهم أن يطالعوها، ويتفضلوا علي بأفكارهم فيها، فأتتني منهم رسائل لم تخل من الاستحسان والتشجيع مع ما فيها من الانتقاد والاقتراح المبنيين على حرية الضمير وسلامة النية وحسن الظن، فأشكر لهم استحسانهم شكرا عظيما، وانتقادهم شكرا أعظم، ولا أراني ذا حق بمناقشتهم هنا فيما خالفوني فيه من الرأي، وإن كان لي نظر آخر في شرح ما كتبت.
وها أنا أنشر تلك الرسائل الغراء في ختام هذه الرواية حلية لها، وإثباتا لامتناني لأولئك العلماء الأفاضل. (1) رسالة حضرة العالم المفضال والكاتب البليغ السيد محمد رشيد رضا منشئ مجلة المنار الغراء
مصر في 8 جمادى الثانية سنة 1424
عزيزي الفاضل
رغبت إلي أن أقرأ قصتك الجديدة «حواء الجديدة»، وأكتب إليك برأيي فيها وأثرها في بعد القراءة.
أراك أحسنت في التصوير والتخييل، واعتصمت بحبوة النزاهة والأدب في التعبير، وأراني استعبرت لغير ما عبارة في القصة، أما الموضوع الاجتماعي الذي نفخت فيها من روحه فليس طريفا عندي، قرأت وسمعت فيه شيئا عن الإفرنج وفكرت فيه كثيرا، ولعل ما قرأته لك فيه خير من قليل ما علمته عنهم، وأبشرك بمستقبل حسن في خدمة أدب النفس والاجتماع، بما توجهت إليه من وضع أمثال لهذه القصة في غايتها دون خصوص موضوعها.
ناپیژندل شوی مخ