لأني امرأة ساقطة.
كانوا إذا صادفوا مني وفاء أو إخلاصا يدهشون، ولا يصدقون، ويحاولون أن يؤولوه بمعنى غير ظاهر ويحسبونه دهاء عظيما سره فوق مداركهم؛ ذلك لأنه عجيب عندهم أن تكون الساقطة ذات مبدأ قويم. •••
بين المومسات والرجال تنازع يتوارى وراء دعوى الحب، وهو أحد من التنازع بين البائع والشاري، فالرجل يجتهد أن يشتري اللذة من المومس رخيصة، وهي تحاول أن تبيعها غالية، فهو يتحبب مرائيا لكي يروي شهواته، وهي تتدلل متصنعة لكي تبتز ماله.
بل بين الفئتين عداء شديد، الرجل يستبيح حقوق المومس كما يستبيح عرضها، فيستحل انتهابها، ويأبى عليها مكانتها وينكرها خارج منزلها، ويضن بمؤاساتها في حزنها وبعيادتها في مرضها، ويمسك الإحسان عنها في شدة فاقتها، ويقطع حبل رجائها في ساعة يأسها، هل أحسنت جمعية خيرية إلى مومس فقيرة؟ هل آوى مستشفى خيري بغيا مريضة؟
لست أدري لماذا يقسو الرجال على الساقطات قسوة الظالمين المنتقمين؟ ماذا أذنبن لهم؟ إذا كانت البغي تحاول أن تلطخ الرجل بعارها، وتزرع فيه جرثومة دائها وتزور حبها له؛ لكي تسلب ماله وتمكر عليه بدلالها لتبخسه سمعته، فإنما تفعل ذلك انتقاما مرا منه؛ لأنه أسقطها ولم يشأ أن يرفعها، قطف أزاهرها ثم داسها تحت قدميه عمدا لغير سبب.
بعكس ذلك يعامل المرأة المحصنة، يستر عارها وقد يفتدي سمعتها بدمه.
شقاء المرأة الساقطة على الأرض أشد من عقابها في جهنم.
لو أتيح لها أن تسترد مكانتها الحقيقية الأدبية، وهي إلى جنب زوج وضيع لتركت مقصورة بغائها، ومقصف لهوها وحلي بهائها ورضيت بالكوخ وشظف العيش. الساقطة تتمرمر في بأسائها، والبغي المنعمة تشعر بالويل المقبل عليها، فلماذا لا تفر من شقائها؟ لأنها مقصوصة الجناحين والهاوية عميقة، وليس من يمد يده إليها لينتشلها.
الويل للفتاة التي لا تتشبث بعفافها تشبث الجسد بالروح. نعيم الفتاة عفافها، فموتها أفضل لها من فقده. •••
لا موجب أن أفصل لك جزئيات حوادثي في تلك الأيام؛ لأن ما أجملته عنها يكفي لبيان تاريخ حياتي.
ناپیژندل شوی مخ