وإذا كان يرى بتنجس موضع الوقوع من الماء الكثير، كيف يكون قائلا بأن الكثير لا ينجس، كالشافعي في القلتين، ومالك فيما يكون بحال لا يتغير بالاختلاط بنجس؟ وسأنبهك على سر المسألة قريبا إن شاء الله تعالى.
قوله: ((ثم اختلفوا في تفسير الخلوص .. إلخ)).
هذا ظاهر في أن المراد خلوص الماء بعضه إلى بعض، وليس هو المنظور إليه لذاته عند أبي حنيفة، وإنما المنظور إليه عنده في نفس الأمر شيوع النجاسة، إلا أنه لما كان في غير المرئية أمرا خفيا نظر إلى ما يدل عليه، وهو خلوص الماء بنفسه، أو الحركة بما ذكر، وغيره استدل على خلوصها الباطن بالصبغ الظاهر أو التكدير كما نقل. وبعضهم خمن أنها لا تخلص إلى مقدار عشرة أذرع، وبعضهم خمسة عشر، كما نقل عنهم.
وبهذا تبين أن الدلائل المذكورة دلائل خلوص النجاسة، لا دلائل الكثرة التي لا يكون معها التنجيس إلا بالظهور، كما زعمه من لم يحقق سر المسألة عند أبي حنيفة.
وعبارة ((الاختيار)) و((التحفة)) ومن تبعهما صريحة في أن المراد خلوص الماء إلى الجانب الآخر، وأنه دليل الكثرة.
ومن ثم ظهر أن نظر الإمام إلى سعة سطح الماء لا إلى العمق.
مخ ۴۱