قال سليمان بن مجالد (1): ووجه المنصور في حشر الصناع والفعلة من الشام والموصل والجبل والكوفة وواسط والبصرة، فأحضروا. وأمر باختيار قوم من أهل الفضل والعدالة والفقه والأمانة والمعرفة بالهندسة. فجمعهم وتقدم إليهم أن يشرفوا على البناء وكان فيمن أحضر الحجاج بن أرطاة وأبا حنيفة. ثم أمر بخط المدينة وحضر الأساسات وضرب اللبن وطبخ الآجر، فبدئ بذلك.
وكان أول ابتدائه في عملها سنة خمس وأربعين ومائة.
وكان المنصور (2) أراد أبا حنيفة أن يتولى له شيئا من أمرها فأبى. وأراده على القضاء فأبى أيضا. فحلف المنصور أن لا بد له من أن يتولاه فحلف أبو حنيفة أن لا يفعل. فولاه عد اللبن وأخذ الرجال بالعمل. وإنما فعل المنصور ذلك ليخرج من يمينه. فكان أبو حنيفة يتولى ذلك حتى فرغ من استتمام الحائط الذي يلي الخندق. وكان الفراغ منه سنة تسع وأربعين ومائة.
وكان أبو حنيفة أول من عد اللبن بالقصب.
قال: وأمر المنصور (3) بإحكام الأساس وأن يجعل عرض السور من أسفله خمسين ذراعا. وأن يكون أعلاه عشرين ذراعا وأن يجعل في البناء جرز القصب [31 ب] مكان الخشب. فلما بلغ السور مقدار قامة- وذلك في سنة خمس وأربعين ومائة- اتصل به خروج محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن رضي الله عنهم. فقطع البناء حتى فرغ من أمره وأمر أخيه إبراهيم بن عبد الله.
وقال جابر بن داود: كانت بغداد قديمة، وكانت في أيدي قوم من الدهاقين بعضها منسوب إلى طسوج بادرويا من الجانب الغربي. وكان الجانب الشرقي بعضه إلى طسوج نهر بوق وبعضه إلى كلواذى والفرق ما بين الطسوجين الموضع المعروف بالفارقين حتى مصرها المنصور.
مخ ۲۸۴