مقدمة كتاب البلدان لابن الفقيه الهمذاني
بسم الله الرحمن الرحيم
قال ياقوت الحموي وهو يرد على من طلب إليه أن يختصر كتابه (معجم البلدان): «حكي عن الجاحظ أنه صنف كتابا وبوبه أبوابا. فأخذه بعض أهل عصره فحذف منه أشياء وجعله أشلاء. فأحضره وقال له: يا هذا! إن المصنف كالمصور.
وقد صورت في تصنيفي صورة كانت لها عينان فعورتهما- أعمى الله عينيك- وكان لها أذنان فصلمتهما- صلم الله أذنيك- وكان لها يدان فقطعتهما- قطع الله يديك-.
حتى عد أعضاء الصورة. فاعتذر إليه الرجل بجهله هذا المقدار وتاب إليه عن المعاودة إلى مثله» (1).
وينطبق ما قاله الجاحظ على من اختصر الكتاب الذي نضعه بين أيدي القراء الكرام، حيث بلغ اختصاره أحيانا حدا أدى إلى غموض الجمل وضياع الأسانيد بما لها من خطورة وأهمية في تحديد أزمان الوقائع. فقد حذف مثلا اسم الرحالة تميم بن بحر المطوعي الذي قام برحلة إلى آسيا الوسطى وحدث بأخبارها ابن الفقيه، وحذف تبعا لذلك الرحلة بكاملها. وحذف المعلومات المهمة التي أوردها ابن الفقيه نقلا عن أبي العباس المروزي عن القبائل التركية والتي نقلها ياقوت فيما بعد عن النسخة الكاملة لكتاب ابن الفقيه. كما حذف أخطر فصول الكتاب على الإطلاق ونعني به الفصل المسمى ب (ذكر بعض مدن الأتراك وعجائبها) الذي نقله
مخ ۵
ابن الفقيه عن سعيد بن الحسن السمرقندي الذي توغل في معلوماته إلى حدود القبائل الفينية حيث مدينة بسكوف (Pskov).- كما نرتأي أن تكون آخر المدن التي ذكرها السمرقندي-. ففي هذا الفصل. من المعلومات عن الحياة الاجتماعية لتلك القبائل مما لا نجده في أي مصدر آخر.
نشير أولا إلى أن المخطوطة التي عثر عليها في المكتبة الرضوية بمدينة مشهد الإيرانية في ربيع 1923 تمثل نصف الكتاب الأصل بعد أن احتمل في بداية الأمر أنها كاملة. والدليل على ذلك ما ورد في الورقة الأولى منها بعد البسملة والصلاة على النبي وآله وهو: «هذا بقية القول في العراق والبصرة وأخبار دار فتحها ...» أما مختصر الكتاب فقد حققه العلامة الهولندي دي خويه وطبعه عام 1885 ضمن مسلسل المكتبة الجغرافية الذي اعتمد على نسخة قال إنه تم اختصارها على يد أبي الحسن علي بن جعفر الشزري (أو الشيزري) عام 413 ه (1)، فهو يضم النصف الأول من الكتاب الأصل ولكن بصورة مختصرة، ويمكن القول بصورة عامة إنه إذا كان المختصر يضم النصف الأول من الكتاب، فإن مخطوطة المكتبة الرضوية تضم النصف الثاني. وعليه فإن كلا من المختصر والأصل المخطوط يكمل بعضهما بعضا. وقد ارتأينا أن ننشرهما معا أي النصف الأول المختصر الذي نشره دي خويه ثم أتبعناه بالنصف الثاني الذي هو مخطوطة المكتبة الرضوية كما كتبها مؤلفها ابن الفقيه كاملة.
ولما كانت بعض أبواب النصف الثاني من المختصر تلتقي مع المخطوطة الأصل فقد أشير إلى مواضع الالتقاء تلك بطباعتها بالحرف المحقق (الأسود).
ولكي يطلع القارئ الكريم بصورة دقيقة على ما ذكرناه آنفا نكتب هنا أبواب مختصر البلدان جنبا إلى جنب الأبواب الواردة في النسخة الأصل ونشير إلى ما هو
مخ ۶
موجود هنا أو مفقود هناك:
الأبواب الموجودة في نسخة الرضوية أي أصل الكتاب* الأبواب الموجودة في مختصر الكتاب المطبوع غير موجود القول في خلق الأرض.
غير موجود القول في البحار وإحاطتها بالأرض.
غير موجود القول في البحار وعجائب ما فيها.
غير موجود الفرق ما بين بلاد الصين وبلاد الهند.
غير موجود القول في مكة.
غير موجود القول في المدينة.
غير موجود الفرق بين تهامة والحجاز.
غير موجود القول في اليمامة.
غير موجود القول في البحرين.
غير موجود القول في اليمن.
غير موجود باب تصريف الجد إلى الهزل والهزل إلى الجد.
غير موجود باب في مدح الغربة والاغتراب.
غير موجود القول في مصر والنيل.
غير موجود القول في المغرب.
غير موجود القول في الشام.
غير موجود القول في بيت المقدس.
غير موجود القول في دمشق.
غير موجود افتخار الشاميين على البصريين.
غير موجود القول في الجزيرة.
غير موجود القول في الروم.
غير موجود في مدح البناء. في ذم البناء.
غير موجود القول في العراق.
مخ ۷
غير موجود القول في الكوفة.
غير موجود افتخار الكوفيين والبصريين عند السفاح.
غير موجود ما جاء في مسجد الكوفة.
ما جاء في ذم الكوفة موجود بصورة مختصرة.
القول في البصرة موجود بصورة مختصرة.
ذم البصرة وفيه مناظرة بين الكوفيين والبصريين عند المأمون غير موجود القول في واسط غير موجود النبط وما جاء فيهم غير موجود القول في مدينة السلام بغداد غير موجود القول في سر من رأى غير موجود القول في السواد ووصفته غير موجود القول في الأهواز غير موجود في أبنية البلدان وخواصها وعجائبها توجد بعض نصوصه هنا.
القول في فارس تلتقي أغلب نصوصه مع الأصل.
القول في كرمان توجد أغلب نصوصه هنا.
القول في الجبل وقرماسين وشبديز توجد أغلب نصوصه هنا.
القول في همدان تلتقي بعض نصوصه مع الأصل.
ذكر ما خص الله تعالى كل بلدة.
من الأمتعة دون غيرها* تلتقي أغلب نصوصه مع الأصل.
القول في نهاوند موجود بكامله تقريبا.
القول في إصبهان موجود بكامله تقريبا.
القول في قم موجود بكامله تقريبا.
القول في قزوين وزنجان وأبهر تلتقي أغلب نصوصه مع الأصل.
غير موجود القول في آذربيجان.
القول في أرمينية* تلتقي أغلب نصوصه مع الأصل.
القول في طبرستان تلتقي أغلب نصوصه مع الأصل.
مخ ۸
القول في خراسان تلتقي بعض نصوصه مع الأصل القول في الترك غير موجود.
ابن الفقيه الهمذاني
ترجم له ابن النديم ترجمة موجزة جدا نقلها فيما بعد ياقوت الحموي في معجم الأدباء وأضاف إليها- لحسن الحظ- الترجمة التي كتبها له المواطن الهمذاني شيرويه بن شهردار الديلمي (445- 509 ه) مصنف كتاب تاريخ همذان بلده لمناسبة حديثه عن والد ابن الفقيه وهي:
«قال شيرويه: محمد بن إسحاق بن إبراهيم، الفقيه أبو أحمد، والد أبي عبيد الأخباري: روى عن إبراهيم بن حميد البصري وغيره. وروى عنه ابنه أبو عبد الله.
وقال شيرويه: أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الأخباري أبو عبد الله، يعرف بابن الفقيه ويلقب بحالان، صاحب كتاب البلدان. روى عن أبيه، وإبراهيم بن الحسين بن ديزيل، ومحمد بن أيوب الرازي ، وأبي عبد الله الحسين بن أبي السرح الأخباري، وذكر جماعة وقال: وروى عنه: أبو بكر بن لال، وأبو بكر بن روزنة. ولم يذكر وفاته» (1).
وبما أننا لا نعرف على وجه التحديد تاريخ ولادته ولا وفاته، فلا بد لنا من معرفة الذين روى عنهم أو رووا عنه ممن ذكر أعلاه على أن نبحث فيما بعد فيمن حدث عنهم ولم يذكروا هنا، حيث رأينا ياقوتا قد اختصر ذلك بقوله «وذكر جماعة»، إضافة إلى خطأ الناسخ في بعض تلك الأسماء كقوله عن ابن الفقيه أنه أحمد بن أحمد بن محمد بن إسحاق بإضافة (أحمد) ثانية إلى اسمه. وقوله (ابن روزنة) والصواب (ابن روزبه) وقوله بن أبي السرح. ورجحنا أنه (ابن أبي السري).
أما أبوه فليس لدينا سوى ما ذكره شيرويه أعلاه من أنه حدث عن إبراهيم بن
مخ ۹
حميد البصري، وهو إبراهيم بن حميد بن تيرويه الطويل البصري المتوفى عام 219 ه (1).
وأما إبراهيم بن الحسين الكسائي الهمذاني المعروف بابن ديزيل فهو محدث همذان المشهور جدا توفي عام 281 ه- وصفه الذهبي بالرحال (2). ومحمد بن أيوب الرازي: هو محمد بن أيوب بن ضريس البجلي الرازي شيخ الري ومسندها ولد في حدود 200 وتوفي بالري سنة 294 ه (3).
أما أبو عبد الله الحسين بن أبي السرح: فنرجح أنه أبو عبد الله الحسين بن أبي السري العسقلاني- نسبة إلى عسقلان وهي محلة من محال بلخ (4)- واسم أبي السري هو المتوكل. فيكون اسمه الحسين بن المتوكل بن عبد الرحمن بن حسان المتوفى عام 240 ه (5).
أما الذين رووا عنه فهم:
أبو بكر بن لال وهو أحمد بن علي الهمذاني «ورد بغداد غير مرة وحدث بها» (6). وقال الذهبي: «قال شيرويه: كان ثقة، أوحد زمانه، مفتي البلد- يعني همذان-، يحسن هذا الشأن. له مصنفات في علوم الحديث غير أنه كان مشهورا
مخ ۱۰
بالفقه. ورأيت له كتاب (السنن) و(معجم الصحابة) ما رأيت شيئا أحسن منه. ولد سنة ثمان وثلاثمائة وتوفي في سادس عشر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين» (1). وقد نص مترجموه على أن له رحلة لقي بها أبا سعيد أحمد بن محمد بن الأعرابي بمكة (2).
وممن روى عن ابن الفقيه: أبو بكر بن روزبه. وهو عبد الله بن أحمد بن خالد بن روزبه، أبو بكر الفارسي الكسروي المتوفى عام (392 ه) (3).
والذي يهمنا من جميع من ذكرنا أنه إذا كان قد سمع من ابن أبي السري في نفس السنة التي توفي فيها أي 240 ه على أضعف الاحتمالات وكان عمره آنذاك 10 سنوات وهو سن لا بأس به لتحمل الحديث. وكان أبو بكر أحمد بن علي بن لال قد سمع من ابن الفقيه وعمره- أي عمر بن لال- 10 سنوات أي في العام 318 ه، فيكون ابن الفقيه حيا في السنوات الواقعة بين 230 و318 ه على الأقل. وعليه، فإن ما ذكره ياقوت من أن ابن الفقيه كان حيا في حدود عام 340 ه (4) يثير الشكوك. وقد يكون خلط بينه وبين أحمد بن محمد بن إسحاق الشاشي الفقيه الذي توفي عام 344 ه (5).
ويثار تساؤل آخر وهو: إذا كان ابن الفقيه قد بقي حيا إلى ما بعد العام
مخ ۱۱
290 ه- وهو مؤكد طبعا بدليل سماع ابن لال منه- فلما ذا لا نجد في كتابه (البلدان) ما يشير إلى زمن أبعد من عام 289 ه- وهو آخر عام من خلافة المعتضد العباسي حيث ذكره ولم يترحم عليه مما يدل على أن المعتضد كان حيا آنذاك؟
المعروف أن المعتضد قد توفي لثمان بقين من شهر ربيع الآخر سنة 289 وقيل لخمس خلون من جمادى الآخرة سنة 289 ه (1). وعليه فإن تاريخ الانتهاء من تأليف البلدان كان في أواخر ذلك العام وأوائل 290 ه.
نرجح أنه بعد أن انتهى من تأليف كتابه هذا انهمك في عمله العلمي بوصفه محدثا وفي تأليف أعمال أخرى التي ذكر منها ابن النديم (ص 171) كتابه: ذكر الشعراء المحدثين والبلغاء منهم والمفحمين.
اسم المؤلف وعنوان الكتاب
هو أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم المعروف بابن الفقيه الهمذاني.
وقد وهم ياقوت في بعض مواضع من كتابه معجم البلدان فأسماه: محمد بن أحمد (2).
فاسمه هو أحمد بن محمد ... كما في آخر ورقة من مخطوطة المكتبة الرضوية التي ننشرها. وكما هو لدى ابن النديم الذي ألف كتابه عام 377 ه.
ولدي حسن بن محمد القمي الذي ألف كتابه عام 378 ه (3). والرافعي القزويني من أعلام القرن السادس (4). إلا أن العجب كل العجب أن يخلط إدوارد فنديك بينه وبين جغرافي آخر هو أبو محمد الحسن بن حمد بن يعقوب الهمداني
مخ ۱۲
المعروف بابن الحائك ويعتبرهما شخصا واحدا رغم بعد الشقة في الأسماء والكنى والألقاب (1).
أما الكتاب فهو: البلدان كما هو لدى ابن النديم (ص 171) والقمي (ص 23، 56، 90) والرافعي القزويني (ص 31) رغم أننا نقرأ في الورقة الأخيرة من المخطوطة أنه كتاب (أخبار البلدان) ويبدو أن كلمة (أخبار) إضافة من ناسخ الكتاب، إذ أن مختصر الكتاب الذي اختصره فيما بعد سمى مختصره ب (مختصر كتاب البلدان) ولم يقل (مختصر كتاب أخبار البلدان).
مصادر كتاب البلدان
أهملنا مصادره التي كان يشير فيها إلى الأسماء مجردة عن أسماء الكتب كقوله «قال المدائني» أو «قال أبو عبيدة معمر بن المثنى» إذ ليس بين أيدينا مؤلفاتهم الجغرافية، ولا ندري إن كان نقل عنها مباشرة أم بالواسطة. إلا ما هو بين أيدينا من المصادر فقد راجعناه وذكرنا مآخذه عنه. فقوله مثلا «قال عمرو بن بحر» وجدناه في كتاب الحيوان الذي نقل منه مقاطع طويلة. كما أشار إشارة عابرة إلى البلاذري إلا أن وجود كتابه فتوح البلدان بين أيدينا أتاح لنا معرفة النصوص التي نقلها ابن الفقيه عنه- وهي كثيرة- وكذلك الأمر بالنسبة لابن قتيبة الدينوري وغيره. ومما يعزز إهمالنا لبعض مصادره أنه كان يحور في ألفاظ أسانيد الروايات فيوهم قارئه. ففي حديثه عن (عين الجمل) قال: «وسألت بعض المشايخ عن عين جمل لم سميت بهذا الاسم؟ (ه أ)». والحقيقة فإن هذا الكلام للبلاذري مع تحوير طفيف جدا. قال البلاذري: «وحدثني بعض المشايخ .....» (2).
أو أن يقول (87 ب): «وخبر إبراهيم بن العباس ...» وحقيقة الأمر أن هذا الكلام منقول عن الجاحظ في الحيوان حيث قال الجاحظ: «وخبرني
مخ ۱۳
إبراهيم بن عباس ...» (1). وسوف نفصل ذلك لدى بحثنا في منقولاته عن البلاذري والجاحظ وغيرهما.
وسنتناول الآن بالبحث مصادره بقسميها الكتابي والروائي الذي سمعه والذي يبدؤه عادة بقوله: (حدثني) أو (حدث) أو (سألناه). وقد نسهب أحيانا في الحديث عن أحد الرواة لأهمية المعلومات التي رواها. فلنبدأ مع الكتب حسب تسلسل ورودها في الكتاب.
أخبار الصين والهند
من تأليف سليمان التاجر الذي سافر إلى الهند والصين أكثر من مرة بقصد التجارة «وقد اتفق الباحثون في أخبار الصين والهند على أن هذه الروايات أو الأخبار جمعت حول سنة 237 ه أي 851 م. ويرى المستشرق فيران أن سليمان هو الذي دون الروايات بنفسه» (2).
وقد نقل ابن الفقيه عنه أخبارا تتعلق بالصين والهند. والكتاب مطبوع متداول بين أيدي القراء.
المسالك والممالك
نقل عنه ابن الفقيه نصا يتعلق ببناء مسجد دمشق. فإن كان المقصود كتاب ابن خرداذبة فهذا النص ليس موجودا في كتاب المسالك والممالك الذي بين أيدينا. علما بأن دي خويه يرى «أن النص الكامل لمصنف ابن خرداذبة لم يتم العثور عليه بعد» (3). كما أنه لا يمكن معرفة ما إذا كان المقصود كتاب المسالك والممالك لجعفر بن أحمد المروزي الذي قال ابن النديم أنه أول من ألف في المسالك والممالك كتابا ولم يتمه. وتوفي بالأهواز وحملت كتبه إلى بغداد وبيعت في طاق الحراني سنة 274 ه (4).
مخ ۱۴
كما نستبعد أن يكون الممالك والمسالك الذي ألفه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن نصر الجيهاني الذي عين وزيرا لنصر بن أحمد الساماني عام 301 ه والذي وضع كتابه قريبا من عام 310 ه- بينما كتب ابن الفقيه كتابه عام 290 ه (1).
الحيوان للجاحظ
صرح ابن الفقيه باسم الجاحظ أكثر من مرة، وقد وجدناه ينقل مقاطع طويلة عن كتابه (الحيوان) الذي لم يشر إليه بالاسم. وقد أشرنا إلى النصوص المنقولة عنه في هوامش كتابنا هذا. وإن كان استخدم أسلوبا مجحفا بحق الجاحظ إذ كان ينقل عنه أحيانا من غير أن يذكره بالاسم، أو أن يحرف كما في قوله (وخبر إبراهيم بن العباس) والحقيقة أن هذا كلام الجاحظ ولكن على الشكل التالي (وخبرني إبراهيم بن العباس) أو يختصر كما في النص المتعلق بالنار وهو طويل جدا وموجود في (الحيوان).
فتوح البلدان
أشار إلى اسم البلاذري ثلاث مرات، إلا أنه نقل مقاطع طويلة عنه من كتابه (فتوح البلدان) دون أن يشير ولا مرة واحدة إلى اسم الكتاب. كما أن المعلومة المتعلقة بكور طبرستان التي صدرها ب (قال البلاذري) لم نجدها في فتوح البلدان الذي بين أيدينا. وعلينا هنا أن نذكر بقول ابن النديم من أن للبلاذري كتابين باسم البلدان. أحدهما صغير والآخر كبير ولم يتمه (2).
ويكتفي أحيانا في نقله عن فتوح البلدان بذكر اسم الراوي من غير ذكر اسم الكتاب فهو يقول مثلا (138 ب) قال جعفر بن محمد الرازي. والحقيقة هي أن هذا النص موجود في فتوح البلدان (ص 315) حيث نتبين منه أن جعفرا هذا هو أحد شيوخ البلاذري والنص يبدأ هكذا: «حدثني جعفر بن محمد الرازي ...»
مخ ۱۵
وهو يحور في بعض كلمات البلاذري أحيانا ولا يكلف نفسه بالإشارة لا إلى (فتوح البلدان) ولا (البلاذري). ففي نص طويل متعلق بعيون الطف والقطقطانة والرهيمة وعين حمل وقد نقله ابن الفقيه بأسره من البلاذري من غير أن يذكر ذلك. (4 أ) و(4 ب) ويمكن مقارنته بالمطبوع من فتوح البلدان ص 296، نجد ما يلي:
ابن الفقيه وسألت بعض المشايخ عن عين جمل لم سميت بهذا الاسم؟ فذكر أن جملا مات عندها فنسبت العين إليه.
وذكر بعض أهل واسط أن المستخرج لهذه العين يسمى جملا.
قال: وسميت عين الصيد لأن السمك كان كثيرا جدا فيها فيصطاد فسميت بهذا الاسم.
البلاذري وحدثني بعض المشايخ: أن جملا مات عند عين الجمل فنسبت إليه.
وذكر بعض أهل واسط أن المستخرج لها كان يسمى جملا.
قالوا: وسميت العين عين الصيد لأن السمك يجتمع فيها.
فضائل بغداد وصفتها
من تأليف يزدجرد بن مهبندان الكسروي. قال عنه ابن النديم إنه عاش في أيام المعتضد وله من الكتب: كتاب فضائل بغداد وصفتها. وكتاب الدلائل على التوحيد من كلام الفلاسفة وغيرهم. كبير، رأيته بخطه (1).
وعن كتابه هذا قال القاضي التنوخي: «تجارينا عند القاضي أبي الحسن محمد بن صالح بن علي الهاشمي، ابن أم شيبان في سنة ستين وثلاثمائة عظم بغداد وكثرة أهلها في أيام المقتدر .... وذكرت أنا كتابا رأيته لرجل يعرف بيزدجرد بن مهبندان الكسروي كان على عهد المقتدر بحضرة أبي محمد المهلبي، كان سلم إلي وإلى جماعة ممن حضر، كراريس منه لننسخه وننفده إلى الأمير ركن
مخ ۱۶
الدولة، لأنه التمس كتابا في وصف بغداد وإحصاء ما فيها من الحمامات وأنها كانت عشرة آلاف، ذكر في الكتاب مبلغها وعدد من يحتوي عليه البلد من الناس والسفن والملاحين وما يحتاج إليه في كل يوم من الحنطة والشعير والأقوات ....» (1).
ولا تعارض بين ما ذكره ابن النديم من أن الرجل عاش في زمن خلافة المعتضد (279- 289 ه) وقول التنوخي إنه كان في خلافة المقتدر (295- 320 ه) فمن الممكن أن يكون قد عاش في العهدين.
ويضيف رضي الدين علي بن موسى المعروف بابن طاووس (589- 664 ه-) معلومات مهمة عن يزدجرد هذا وعلمه وأخيه بالنجوم فيقول نقلا عن التنوخي:
«وممن وصف بعلم النجوم سهلون ويزدجرد من علماء الإسلام فيما ذكره التنوخي في أربع أجزاء النشوار فقال ما هذا لفظه: حدثني أبو عبد الله محمد الحارثي قال: كان ببغداد في أيام المقتدر إخوان كهلان فاضلان وعندهما من كل فن مليح، وهما من أحرار فارس. قد نشأ ببغداد وتأدبا بها وتعلما علوما كثيرة يقال لأحدهما سهلون وللآخر يزدجرد ابنا مهمندار الكسروي. ويعرفان بذلك لانتسابهما إلى الأكاسرة. وكانا ذوي نعمة قديمة وحالة ضخمة وكنت ألزمهما على طريق الأدب. وكان ليزدجرد منهما كتاب حسن ألفه في صفة بغداد وعدد سككها وحماماتها ....» (2).
وعن كتابه هذا (فضائل بغداد) نقل ابن الفقيه مقاطع طويلة جدا في إحصائيات تتعلق بعدد الحمامات والمساجد والسكك والشوارع وما يدخلها من الأقوات يوميا وما يباع فيها. وهذا الفصل مما حذفه مختصر كتاب البلدان فأتحفتنا به نسختنا الكاملة.
مخ ۱۷
عيون الأخبار
لعبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (213- 276 ه-). وقد نقل عنه نصا يتعلق بمدح أهل خراسان فقال: «وقال عبد الله بن مسلم بن قتيبة: أهل خراسان ...» (154 ب) من غير أن يذكر الكتاب الذي نقل عنه إذ إن مؤلفات ابن قتيبة كثيرة كما هو معلوم. وقد وجدنا النص بكامله في عيون الأخبار (1: 204- 205).
الأهوية والبلدان والمياه
من تأليف الطبيب والحكيم اليوناني بقراط (460- 377 ق. م) الذي يشكك المؤرخون في كونه من تأليفه (1). ومع ذلك فإن أول ترجمة لهذه الرسالة إلى العربية تمت على يد حنين بن إسحاق (194- 260 ه-) أو الفريق العامل معه (2). وقد أولع الأطباء والجغرافيون المسلمون بالنقل عن هذه الرسالة. فهناك الطبيب الطبرستاني: علي بن ربن الطبري المتوفى عام 247 ه الذي كان أبوه مترجما (3) أيضا. ولدى مقارنة ما نقله ابن الفقيه عن رسالة (الأهوية والبلدان والمياه) التي أسماها ب (الأهوية والأبدان)، وما نقله علي بن ربن عنها في كتابه (فردوس الحكمة) نجد تشابها واضحا بين الاثنين سوى أن ابن الفقيه اختصر قليلا
مخ ۱۸
فيما طول فيه ابن ربن (1). ونحن نعرف من خلاف نقل ابن الفقيه الخبر بعثة جبل دماوند عن ابن ربن أنه كان لديه نسخة من كتاب (فردوس الحكمة).
نشير أخيرا إلى أن المؤرخ والجغرافي اليعقوبي الذي ألف كتابه البلدان عام 278 ه قد نقل مقاطع طويلة من (الأهوية والمياه والبلدان) فيها كثير مما هو موجود لدى ابن ربن وابن الفقيه (2). كما نجد مقاطع طويلة منها أيضا في كتاب (هداية المتعلمين في الطب) للأخويني البخاري الذي تحدث عن تأثير فصول السنة على الأمزجة وختم بالقول «ويطول الحديث في هذا، فإن أردت أن تعلم هذه الحقيقة فعليك بقراءة كتاب (الأهوية والمياه والبلدان) لبقراط أو فصول بقراط» (3).
الفلاحة
نقل عنه ابن الفقيه بعد انتهائه من الاقتباس من كتاب بقراط فقال «وقال فسطوس في كتاب الفلاحة ...» (102 أ). والصواب أنه قسطوس. يقول الأستاذ فؤاد سزكين أنه قد ترجم عن اليونانية إلى العربية مباشرة عام 212 ه- من قبل سرجيس بن هليبا الرومي، كما ترجم عن البهلوية بعنوان روزنامه. وقد استفاد العلماء العرب من الترجمتين. فعلي بن ربن الطبري رجع على سبيل المثال إلى الرواية الفارسية. بينما رجع ابن قتيبة إلى الترجمة المباشرة عن اللغة اليونانية (4).
الطلسمات
قال ابن الفقيه «وفي كتاب الطلسمات أن قباذ وجه بليناس الرومي إلى الري فاتخذ طلسما ...» (142 ب).
يوجد كتاب في الطلاسم نقله حنين بن إسحاق إلى العربية اسمه: كتاب
مخ ۱۹
المدخل الكبير لبليناس إلى رسالة الطلاسم. ويرى الأستاذ سزكين أن كتب أبو لونيوس التياني قد وصلت إلينا باللغة العربية تحت أسماء محرفة مثل: بليناس وبلينس وبولينياس وأبولون (1).
وقد نقل ابن الفقيه كثيرا عن كتاب الطلسمات هذا مما أحدثه من طلسمات في البلدان التي ذهب إليها.
فردوس الحكمة
اكتفى ابن الفقيه بالقول: «وقال علي بن ربن كاتب المازيار: وجهنا جماعة من أهل طبرستان ...» (145 ب). ولم يذكر كتاب فردوس الحكمة وهو كتاب طبي معروف مؤلفه علي بن ربن الطبري. وحكاية السفارة هذه إلى قمة جبل دماوند ذكرها فيه (2). وقد نقلها عنه فيما بعد البيروني في الصيدنة وابن إسفنديار في كتابه تاريخ طبرستان الذي ألفه عام 613 ه.
المسالك والممالك
من تأليف أبي القاسم عبيد الله بن عبد الله المعروف بابن خرداذبه المتوفى في حدود سنة 300 ه. وقد نقل عنه صفحات طويلة وإن لم يصرح بذلك وأشهر تلك النصوص خبر رحلة سلام الترجمان إلى سد يأجوج ومأجوج بأمر من الخليفة الواثق (227- 232 ه) التي تناقلها- رغم ما فيها من تفاصيل أسطورية- الجغرافيون والمؤرخون المسلمون وإن كان المحققون منهم قد شككوا فيها مثل ياقوت الذي كتب بعد نقله لعدة أخبار تتعلق بالسد ومنها خبر سلام الترجمان: «قد
مخ ۲۰
كتبت من خبر السد ما وجدته في الكتب ولست أقطع بصحة ما أوردته لاختلاف الروايات فيه والله أعلم بصحته» (1). ومثل الثعالبي المرغني (350- 429 ه) الذي قال «والذي حكاه سلام الترجمان في ذكر السد من حديث الباب والعضادة ووصف القفل والمفتاح والدندانجات كالأسطوانات، غير معتمد عليه لأنه غير موافق لما نطق به القرآن من وصفه ...» (2).
ويفهم من كلام المقدسي البشاري الذي ألف كتابه عام 375 ه أنه يعزو هذه الرحلة لابن خرداذبه حيث قال: «قرأت في كتاب ابن خرداذبه وغيره في قصة هذا السد على نسق واحد، واللفظ والإسناد لابن خرداذبه لأنه كان وزير الخليفة وأقدر على ودائع علوم خزانة أمير المؤمنين مع أنه يقول حدثني سلام المترجم. إن الواثق بالله ....» (3) كما نقلها بصورة مختصرة مؤلف مجهول كتب كتابه عام 520 ه (4).
ومما يلفت النظر في كتاب ابن الفقيه التشابه الحرفي بين بعض نصوصه ونصوص المسالك والممالك لابن خرداذبه. وليس بإمكاننا أن نجزم هنا أنه قد نقلها عن ابن خرداذبه الذي ألف كتابه عام 250 ه. لأن هناك تداخلا بين كتاب ابن خرداذبه وكتاب آخر للجيهاني الوزير مما سوف نفصله فيما بعد ونكتفي بنقل قول المقدسي- طبقا لأحد مسودات كتابه أحسن التقاسيم-: «ورأيت مختصرين بنيشابور مترجمين، أحدهما للجيهاني والآخر لابن خرداذبه تتفق معانيهما غير أن الجيهاني قد زاد شيئا يسيرا» (5).
مخ ۲۱
حرب جوذرز وبيران
قال ابن الفقيه: «وقرأت في كتاب حرب جوذرز وبيران ....» (154 ب).
لا يمكننا معرفة ما إذا كان هذا كتابا مستقلا أم جزءا من كتاب قسم على كتب؟ والكتاب يتعلق بالتاريخ الأسطوري للفرس في الأعصار السحيقة وهي الفترة التي تمتاز كأمثالها من الفترات الزمنية لكل الأمم- بالغموض والتناقض وتضارب المعلومات حتى أن حمزة الأصفهاني المؤرخ المعروف شكا من ذلك فقال عن تواريخ الفرس: «وتواريخهم كلها مدخولة غير صحيحة لأنه نقلت بعد مائة وخمسين سنة من لسان إلى لسان، ومن خط متشابه رقوم الأعداد إلى خط متشابه رقوم العقود فلم يكن لي في حكاية ما يقتضي هذا الباب ملجأ إلا إلى جمع النسخ المختلفة النقل فاتفق لي ثماني نسخ وهي .... فلما اجتمعت هذه النسخ ضربت بعضها ببعض حتى استوفيت منها حق هذا الباب» (1).
ومع ذلك يذكر الشاعر الملحمي الإيراني أسدي طوسي المتوفى عام 465 ه- كتابا باسم كتاب بيران ويسه (2).
الإنجيل
يقول ابن الفقيه: «وقرأت في الإنجيل أن المسيح (عليه السلام) قال: بحق أقول لكم، ليأتين قوم من المشرق ...» (158 أ).
أورد ذلك بعد ذكره لحديث ذوي الرايات السود القادمين من قبل المشرق المروي عن النبي (صلى الله عليه وسلم). وقد وجدنا في رؤيا يوحنا اللاهوتي من العهد الجديد (رؤيا 16: 12- 16) نصا يتعلق بمعركة هرمجدون التي قيل أنها ستقع في آخر
مخ ۲۲
الزمان فلعله هو المقصود من خلال قرينة ما ذكر فيه وهو: (الملوك الذين من مشرق الشمس).
أما الحديث المتعلق بالرايات السود فقد وجدناه لدى نعيم بن حماد المتوفى عام 229 ه- وللمقارنة نذكره هنا، إذ يبدو أن ابن الفقيه قد اختصره.
قال نعيم:
«حدثنا محمد بن فضيل وعبد الله بن إدريس وجرير، عن يزيد عن (الصواب: بن) أبي زياد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، إذ جاء فتية من بني هاشم فتغير لونه. فقلنا: يا رسول الله ما نزل؟ نرى في وجهك شيئا نكرهه. قال: إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وأن أهل بيتي هؤلاء سيقتلون (الصواب: سيلقون) بعدي بلاء وتطريدا وتشريدا حتى يأتي قوم من هاهنا من نحو المشرق، أصحاب رايات سود يسألون الحق فلا يعطونه- مرتين أو ثلاثا- فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلوها (كذا) حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملؤها عدلا كما ملؤوها ظلما. فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوا على الثلج فإنه المهدي (1).
ونفس الخبر موجود في دلائل الإمامة لمحمد بن جرير بن رستم الطبري الذي عاش في النصف الأول من القرن الخامس حيث نعلم منه سند الخبر بصورة أوضح وهو «عن صباح بن يحيى ومطر بن خليفة عن يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس، عن عبد الله بن مسعود ....»
(2).
وذكر أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني (277- 365) في كتابه الكامل في ضعفاء المحدثين «وهذا الحديث لا أعلم من يرويه بهذا الإسناد عن إبراهيم [النخعي] غير يزيد بن أبي زياد ويرويه عنه يزيد بن فضيل» (3).
وإلى هنا ينتهي بنا المطاف- وبعد أن انتهينا من الكتب- إلى الحديث عن
مخ ۲۳
شيوخه الذين روى عنهم ممن ذكرهم بكلمة (حدثني) أو (سألته) أو ممن يدل نوع المعلومات على نوع من الصلة له معهم .
أبو يوسف يعقوب بن إسحاق
قال ابن الفقيه: «وحدثني أبو يوسف يعقوب بن إسحاق قال حدثني إبراهيم بن الجنيد، عن إبراهيم بن رويم الخوارزمي قال: فيما بين خراسان وأرض الهند نمل أمثال الكلاب السلوقية ...» (163 أ).
وفي الورقة (71 أ): «وقال يعقوب بن إسحاق: سمعت أبي يقول: سمعت يزيد بن هارون ...».
عند بحثنا عمن يكون إسحاق هذا الذي يروي عن يزيد بن هارون الواسطي (118- 206 ه-) فوجدناهم بالعشرات في كتب الرجال والحديث. وعليه فلن نقطع بشيء إلى حين ظهور مرجح.
أبو إسحاق إبراهيم بن محمد البيهقي
له ترجمة مطولة في تاريخ بيهق وقال إن لقبه هو المغيثي نسبة إلى المغيثة وهي قرية من قرى بيهق. ثم ذكر شيوخه فقال إنهم المبرد وثعلب. وإنه هجا البحتري، وإن ابن الرومي قال فيه ... ولكنه لم يذكر سنة وفاته (1).
وقد روى عنه ابن الفقيه بقوله: «وحدثني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد البيهقي قال أنشدني حماد بن إسحاق الموصلي لأبيه ....» (74 أ).
أبو عمرو عبد العزيز بن محمد بن الفضل
قال ابن الفقيه: «حدثنا أبو عمرو عبد العزيز بن محمد بن الفضل، حدثنا إبراهيم بن الجنيد، حدثنا بشر بن محمد بن أبان ...» (90 أ).
لم نعثر حتى الآن على ترجمة لأبي عمرو عبد العزيز. فأما إبراهيم بن
مخ ۲۴