272

بسمارک: د یوه مبارز ژوند

بسمارك: حياة مكافح

ژانرونه

ولا يبالي بسمارك بكيفية رياش الغرف التي يعيش فيها ما دامت مجهزة بمقاعد مريحة، ولا ينظر بسمارك إلى ناحية الجمال الفني فيها، فلما أخبره بعضهم بأن أثاث رون الجديد جميل قال: «إن الذين يعنون بحسن الأثاث لا يأكلون جيدا.» وبين الرياش الشنيع وبين الجدر المستورة بالورق البشيع المعلقة عليه شهادات الترفيع، وبين الكراسي المصنوعة من خشب المغني المغطى بالنسيج الكتاني القنبي المختلط الألوان، وبين ذلك العطل من الانسجام يجلس أو يضطجع على متكأ، ذلك الرجل العظيم متوسطا ضيوفه بعد العشاء، ويلبس ذلك الرجل العظيم سترة مصنوعة من الجوخ الأسود مزررة إلى عنقه، ويستبدل بالقبة

5

ربطة رقبة لنفوره من قيد القبة، وتبصر كلبا دانيماركيا كبيرا جاثما عند قدميه، وتبصر غليونا طويلا في فمه، وتبصر أرض الغرفة مفروشة بالصحف التي ترمى بعد قراءتها، ويقول صديق المنزل أولنبرغ منذ سنين: «لا ترى الصلات الأممية في ذلك الوسط؛ فأشراف الأرياف لا يغادرون ردهة بسمارك.» ولا يكاد الضيوف ينقطعون؛ فهنالك تجد بعض المساعدين وبعض شبان الضباط الذين يقدمهم الأولاد وبعض الأقرباء والشرفاء يتعاطون الخمر والجعة والكونياك بلا كلفة، «فتلك هي صورة بارزة لردهة استقبال الدبلمي الأول في العصر، ويوحي جو تلك الردهة بوجود برلمان للتبغ، وتلقي السيدات الأنيقات الملبس روعة على ذلك المنظر في الغالب.»

ويدور الحديث ملائما لتلك البيئة، حتى إن الأمير بسمارك إذا قص قصة أو أوضح أمرا سياسيا لم يكتسب كلامه شكلا ذهنيا، وإذا ما أتى ضربا من المناجاة قوطع بمظاهر التكريم، وهو يحدث دوما عن حوادثه التاريخية كبرقية إمس ومحاولة قتله وأيام فرساي، ويمر هذا عقدا بعد عقد، ويجمع وصافو تلك الأحوال على توجعهم من قطع الممتع من أقوال بسمارك على الدوام بتدخل ولد له أو بعرض رسالة عليه أو بتقديم طبق إليه، ويروي بسمارك نفسه أنه دعي إلى حضور زفاف ابنته أناس كثيرون، فأخذ أصحاب الدعوى «يؤزون كذبابتين في مصباح مقفل حين يتدخلون طوعا ويوجبون ارتباكا في كل شيء.»

ومما لا يجدي نفعا أن يسأل عن ذوي القرائح الذين كانوا يلازمون منزل بسمارك فيما بين سنة 1870 وسنة 1890، لما لا تجد أحدا منهم، وذلك مع استثناء الأخوين لندو اللذين كانا نافعين لبسمارك، واستثناء كورسيوس وفلدنبروخ، وغير ذلك عدد من كانوا يقصدون المجتمعات البرلينية في ذلك التاريخ من غير أن يمروا بساحة بسمارك كهيزه وستورم وفيلبراند وبراند وإيبسن وبورنسن ومنزل وكلينجر وبراهمز وهلمولتز ودوبوا ريمون ولانجبنبك وروبرت كوخ وهرمن غريم وإريك شميت وشيرير ورودنبرغ ورانكه، ولا ترى بين هذه الأسماء من هو عدو لبسمارك كفيرشوف وفريتاغ ومومسن، ولما أحضر لنغبهن إلى الأميرة حنة رواية هيبريون لهلدرلن قالت بعد قراءتها: «لقد ضحكنا كثيرا.»

ولا يعارض ذلك الشذوذ ما كان من صحة فهم بسمارك لكتب شكسبير وغوتة وشيلر وبايرون كما تشهد بذلك رسائله التي كتبها في شبابه، وكل ما نعلمه من مثل تلك الأحوال ومن مئات الأحاديث المروية التي لا يمت سوى القليل منها إلى المسائل الذهنية بصلة هو أن بسمارك المملوء دماغه بالخطط والمرتبط عزمه في ضروب الكفاح والعاني بأسباب الصحة والمفطور على الاستبداد يجتنب كل اختلاط بالأشخاص الذين لا يساعدونه على بلوغ أهدافه والذين لا عمل له معهم والذين لا يمثلون حزبا ولا يظهرون عداء.

ولذلك نتائج هائلة، فرجل كبسمارك ظل ثلاثين سنة لا يقرأ شيئا خلا ما كان من نظره الخاطف إلى أشعار هين وبايرون وأوهلند وروكرت ، ورجل كبسمارك يبعد نفسه من جميع الحركات اللاسياسية في بلده، لا بد بعد طويل سير من أن ينتهي إلى الحكم في البلاد بأساليب غير ذهنية، لا بد من أن يفصل الذهن في ألمانية من الدولة، لا بد من أن يخطئ في تقدير الأمور الأوروبية الثلاثة وهي: عالم الاقتصاد والكنيسة والاشتراكية، لا بد من أن يحاول - بتدابير أميرية وعلى غير جدوى - استغلال تلك الأمور على حسب ما تقتضيه مصلحة الحاكمين، وعلى ما كان من ضيق أفق المليك الطاعن في السن كان هذا المليك يبصر ويسمع عن الأمور اليومية خيرا مما كان يبصر ويسمع عنها بسمارك مع ما لهذا الأخير من قدرة على الإحاطة بأهم المسائل ومعالجتها في أثناء الحديث حول المائدة، وبسمارك ورث عن آله ميلا إلى الكسل مضافا إلى ما فيه من حب للراحة، وبسمارك كانت أعصابه متوترة مضطرة إلى بذل أقصى جهد على الدوام، فلما أراد الارتخاء كان ذلك على حساب حياة بلده الذهنية، ومهما يكن الأمر فإن لبسمارك ما يترفع به من تلقاء نفسه، وما زال مثقفو الألمان في ذلك الدور يحملون عظيم احترام تجاه ضباط الجيش وأكابر الموظفين، وإليك مع ذلك رأي ذوي القدر من العارفين بالتاريخ حول بسمارك:

بسمارك في سنة 1890.

براند: «بسمارك بركة لألمانية إن لم يكن محسنا للإنسانية، وبسمارك للألمان كالنظارات القوية الرائعة لقصير البصر، فيا لسعادة المريض الذي يحوزها ويا لمصيبة المحتاج الذي لا يستطيع اقتناءها!»

بركهارد (1877): «يوحي اعتزاله ورجوعه بأنه كان لا يعرف كيف يخرج، ويدل سيره في جميع المسائل السياسية الداخلية على أنه كان سيئ التقدير تقريبا، أجل، يمكنه أن يبرز عند نشوب حرب أوروبية عامة كالتي تنذر بها الحرب التركية الأخيرة، ولكنه عاد غير قادر على شفاء البلاد من الفوضى.»

ناپیژندل شوی مخ