271

بسمارک: د یوه مبارز ژوند

بسمارك: حياة مكافح

ژانرونه

ويعنى بسمارك بكل طور من أطوار سيره ناظرا إلى ما يكون لذلك من نتائج سياسية، وبسمارك الذي اشتكى بمرارة من ناظر أموال الإمبراطورة لأن هذا الموظف لم يحيه كما يجب أنزل ستائر حجيرته في القطار في أثناء سياحة قام بها في النمسة لإمكان ما يسفر هتاف الجمهور له عن إيلام لمزاج زملائه بفينة في زمن أزمة.

ولا تجد أحدا يستطيع أن يباري بسمارك في الانتفاع بالصحافة، وعلى مرءوسيه أن يشتغلوا ليل نهار بأمر الصحافة معدين موعزين ملخصين مكذبين، ويثبت بسمارك أنه بارع في تعيين مقادير الرسوم، ويأتي بسمارك بالأنباء إلى برلين من إحدى نواحي ألمانية أو من إحدى العواصم الأجنبية فيذيعها ليؤثر في الرأي العام تأثيرا خاليا من الغرض في الظاهر، ويملي بسمارك في مكتبه الخاص أغرب الأمور عن نفسه فيذيعها في العالم كما لو كانت مرسلة من ستوكهلم إلى بوتسدام، ويبلغ حوك هذه الأمور من الحذق ما لخص خلصه

4

تيدمان معه ظاهرتها بقوله إن بسمارك هو «ميفيستوفل أكثر من فاوست»، وفيما كانت أوغوستا تشد عضد أرنيم في سنة 1872، وفيما كان بسمارك في فارزين يملي بسمارك على بوش مقالة عن «رغائب سيدة معظمة في تغيير المستشار»، ولما أراد بسمارك نقاشا حول النمسة جعل مراسل كلونيش زايتنغ العرضي بوشر ينشر خبرا اتفاقيا من ستولب ببوميرانية.

ويبلغ الكفاح ضد الكنيسة أقصى حدوده في سنة 1874، فيحاول قتله مرة أخرى بإطلاق النار عليه في وقت يلائمه، وبسمارك منذ بضعة أشهر كان قد قال للريشتاغ مزدريا متكبرا: «لي الشرف بأن يكون لي أعداء كثيرون في أثناء حياتي السياسية، فسافروا من الغارون إلى الفيستولا ومن البلت إلى التيبر، وابحثوا في مياه الأودر والرين تجدوني في كل مكان أكبر مبغض في البلاد ولا فخر!» ولكن بسمارك في ذلك الحين كان يجهل أن نحاسا بجليكيا عرض على رئيس أساقفة باريس أن يرسل إليه رأس بسمارك لحملة هذا الأخير على رومة، ومما قاله هذا المتعصب: «إنني مستعد لذبح الجبار إذا كنتم تعتقدون أن الرب يعفو عني وإذا كنتم تدفعون إلي مبلغ ستين ألف فرنك عند انقطاع عمل هذا الجبار اللعين قبل نهاية السنة.»

وتمضي بضعة أشهر فيطلق شاب في كيسينغن نارا على بسمارك وهو في عربته فتجرح إصبع بسمارك جرحا خفيفا، ويصرح الجاني بأنه من أعضاء حزب الوسط، ويسر بسمارك ويوقف أساقفة لما رئي من مساعدتهم الجاني بوقفهم العربة، ثم يبدأ بحملة صحافية فتدوم ستة أشهر، ويبلغ الأمر ذروته في الريشتاغ، وينهض عضو مغرور من حزب الوسط فيقول: «يطلق النار على الأمير بسمارك نصف مجنون، فيصير فريق كبير من مفكري الأمة الألمانية هاذيا.» وبهذا يتاح لبسمارك أن ينطق عن كبير حقد بواحدة من أعنف خطبه، قال بسمارك: «إن الرجل الذي تكلمت عنه هو مالك لملكاته العقلية تماما كما يدل عليه ما لدينا من الشهادات الطبية، وإنني أدرك أن النائب المحترم لا يود أن نعتقد وجود أي اشتراك له في الجرم مع مثل ذلك الشخص، ومما لا مراء فيه أن العضو المحترم لم يفكر قط أن هذا المستشار يكون هدفا لمثل هذا العارض ذات يوم، ومن المحقق أن مثل ذلك الفكر لم يدر في خلده، ولكن ألا تزالون تنكرون كما يشاء هواكم أن ذلك الجاني يتمسك بأذيالكم قائلا إنه من حزبكم السياسي؟ (هياج شديد)، ولا أقول لكم غير وقائع تاريخية، وكولمن هذا قد أجاب عن سؤالي بقوله: «أردت أن أقتلك بسبب ما سن من القوانين ضد الكنيسة، وقد آذيت حزبي السياسي.» (قهقهة)، وكولمن هذا قد أجاب عن سؤالي الآخر أمام شهود: «إن ذلك الحزب هو حزب الوسط في الريشتاغ.»» وهنالك يصرخ الكونت بلرسترم قائلا: «عار!» ومن يعرف مزاج بسمارك يعتقد أنه يأتي الكونت توا ويهينه لطما، غير أن بسمارك يكتفي بزوي ما بين عينيه، ويفوز على بلرسترم بقوله هادئا: «إن كلمة «عار» هي تعبير نفور وازدراء ، وأنت لا ترى بعد هذه المشاعر مني، ولكنني بلغت من الأدب ما لا أعبر بها.»

ومحاولة قتله تلك تشغل ذهنه زمنا طويلا، ولنا أن نفترض أنها الفرصة الوحيدة التي يتاح له بها أن يعتزل، وبسمارك قال لبنيغسن في حال هياج شديد إنه سيستقيل، وبسمارك أطلقت النار عليه مرتين، وما فتئت الشرطة تحذره، وبسمارك يقول: «سأترك الأمر لمستشار آخر حتى يكون هدفا للكاثوليك، وسأبلغ الستين من عمري في اليوم الأول من أبريل، وهنالك أنزوي وأعود إلى حياة الريف!» وما انفكت زوجه وأولاده يحرضون على ذلك منذ زمن كبير، والآن يسير على غرارهم في التفكير.

وكان تأثير حنة فيه قد زال في تلك المدة الطويلة، وزادت حنة حقده بدلا من تلطيفه، وغاية ما نعلمه هو أنها لم تحاول في ثلاثين سنة أن تشفيه ولو مرة واحدة، وهي قد أحبته، وهي لحبها إياه قد أبغضت كل رجل سواه لما تعرفه من عدائه لجميع العالم، وهي لذلك قد أضحت حادة الطبع مع العمر، وهي في مشيبها قد كسرت كأسا دفاعا عن بعلها ذات يوم كما روى أولنبرغ، وهي لم تذهب إلى البرلمان غير مرة واحدة، وهي لم تطق قصده مرة أخرى، وهي قد قالت عن ذلك: «وددت لو أرميهم بساق كرسي!» وهي قد قالت لكريسبي في أثناء حديث: «والحق أن زوجي طيب كما تقول»، ولكن كريسبي تبسم هازئا قائلا: «ليس هذا رأي كل واحد!»

ولم ينفك بسمارك ينذرها بلطف في الحين بعد الحين، فلما ذهبت إلى السوق ذات مرة قال لها: «لا تبقي هنالك بعد انصراف الملك؛ فلا أريد أن تكوني بين الجمهور طويل زمن.» وتبلغ من البساطة في إبداء حبها لها ما تقوم معه ربطة عنقه حول المائدة على مرأى من ضيوف وجهاء، ولم ينقص كلفه بها وإن كان يقضي أسابيع من الصيف بعيدا منها، وهو لم يكف بعد مرور ثلاثين سنة أو أربعين سنة على حياته الزوجية عن الكتابة إليها بمثل قوله: «حبيبتي ... أحييك تحية الحب.» أو بمثل قوله في برقيته التي أرسلها إليها من فردريكسروه: «لا أقدر على البقاء طويلا بغير حصني وغير زوجي، فسنعود غدا.» والآن تروقها الحياة في برلين أكثر مما في الماضي، فلما أبصر البقاء كثيرا في فارزين قالت صديقة لها: «إن العزلة الكبيرة تؤثر في أعصاب الأميرة.»

ومن دواعي الحيرة أن يرى عدم نفوذ الروح في ذلك المنزل، ولم يعيش بعيدا من الروح رب ذلك المنزل الذي هو أقوى وأشهر ألماني في عصره والذي كان رجل دنيا في فتائه، والذي أطري بأنه متكلم محدث حتى في هذه الأيام ومن قبل جميع من يجتمعون به في أثناء حياته الخاصة؟ إذا لم نعرف من أموره غير تلك الناحية بدا لنا أكثر رجال زمنه بعدا من الروح.

ناپیژندل شوی مخ