ولو لم يتق إلى المجد، وفي الحقيقة أن بسمارك لم يكن ليبالي بثلاثين صفحة حينما انتهى بيكر إلى سنة 1870 في تاريخه العام، وبسمارك كان يعرف من هو، وبسمارك فيما لديه من مؤلفات كارليل رسم خطوطا تحت ما جاء فيها من عبارات عن العبقرية السياسية، وبسمارك في احتفال كارليل ببلوغه الثمانين من سنيه أرسل إليه من التحيات الطيبات ما لم يفعل مثله تجاه أي ألماني لوذعي كان، وما يجدر ذكره هنا هو أن كارليل كان قد أخذ منذ خمسين عاما مثل ذلك الكتاب من ألماني أعظم من ذلك.
ويسفر تقدير معاصري بسمارك له عن فتوره التام، ويؤدي ازدراء بسمارك للرجال إلى نفوره من إعجابهم به، ويعيره ريشتر في الريشتاغ بجهله الاقتصاد السياسي فيجيبه بسمارك بأنه يستطيع انتظار حكم معاصريه هادئا، ولكنه يضيف إلى هذا قوله: «لا أود قول شيء عن الأعقاب؛ لعدي هذا أمرا عاطفيا إلى الغاية .» وإذا تجمع جمهور أمام الريشتاغ ليراه حين وصوله راكبا عربته، انزعج، وقال إنه يعرف أي وجه يجب عليه أن يري فينفر منه كوزير بغيض يود الناس أن يتفلوا عليه؛ فالآن أصبح لزاما عليه أن يبدي وجها آخر.
ويدعوه ولهلم لحفلة شد الرايات التي سيحمل إحداها اسم بسمارك وشعاره فيرفض الدعوة معتذرا بخوفه من الرد، ويرسل ولهلم إليه صليبا من الألماس مع كلمته المؤثرة: «إن هذا هو آخر وسام يمكنني أن أقدمه إليك، وهو قد أوجد من أجلك.» فيقول في بيته: «أفضل على ذلك دنا من خمر الرين أو حصانا أصيلا.»
ويجد بسمارك في دماه
2
ما يسليه، فلما أبصر نفسه ذات يوم مصورا على شكل ملك السلم لابسا حلة قصيرة مع تاج من آذان الفأر
3
وإكليل من الغار على رأسه الأصلع؛ عجب من «ممكناته المتصاعدة»، ولم ترقه التماثيل الأولى التي أقيمت له، وقد صرح للبلاد بقوله: «لا يسرني مثل هذا الاعتراف بالجميل، ولا أعرف أي وجه أتخذه عند مروري أمام تمثالي بكولونية، وإذا ما تنزهت في كيسينغن أزعجتني رؤية نفسي من المتحجرات.»
وبسمارك واقعي، وهو لواقعيته لا يحركه الذكر، ولا حيلة في ذلك، بيد أن بسمارك يرى في الرأي العام ما يحتاج إليه فلا يألو جهدا في استغلاله، وفي هذا تجد سر عنايته بتكييف نفسه مع قحة عظيمة عظم الأثر المبصر البادي على معاصريه فيظل فاترا تجاهه. وعلى ما كان من عدم احتمال بسمارك لرؤية تمثال له يود أن يتحدث الناس عن أعماله وحركاته وشذوذه ما كانت له بهذا دعاية مفيدة.
ويدعى سيبل إلى وضع كتاب عن تأسيس الإمبراطورية الألمانية من قبل ولهلم الأول، وتفتح الوثائق المحفوظة؛ تسهيلا لعمل ذلك المؤرخ، بيد أن على بوشر أن ينخل هذه الوثائق فيترك له «غير الخطر» منها؛ ولذا غدت المجلدات السبعة التي هي نتيجة تلك الغربلة خالية من القيمة. ويعرض هيزيكيل وبوش وآخرون كتبهم على بسمارك قبل طبعها، ويحذف بسمارك من هذه الكتب ما لا يرغب فيه من مطالب وإفادات، ويشير بأن يدخل إليها بعض الإضافات، وينتقد فصولا لم يعالج فيها بدرجة الكفاية ما قام به من تصرفات، حتى إنه يسلم إلى هيزيكيل مختارات من الرسائل الشخصية التي كتبت في سنة 1870، فأمكن نشرها في سنة 1877.
ناپیژندل شوی مخ