بيد أنه ظنها تصر على التجاهل فقال بغيظ: أعني أن تلغي مشروع الزواج الجديد، وألا تسمحي لنفسك بمعاودة التفكير في شيء من هذا القبيل، لم أعد طفلا، وليس بصبري متسع لطعنة جديدة.
أطرقت في حزن بالغ، ولازمت الإطراق كأنما أخذتها سنة من النوم، ثم رفعت رأسها في بطء فلاح الحزن في وجهها أعمق مما قدر، ثم قالت بصوت ضعيف وكأنها تخاطب نفسها: إذن جئت من أجل هذا!
ودون تفكير فيما يقول قال: نعم!
فوقع جوابه كطلقة نارية فإذا بكل شيء حوله يتغير ويتبدل سريعا، ويكفهر الجو. وقد استرجع فيما بعد - وهو خال إلى نفسه - ما دار من حديث بينه وبين أمه في هذه المقابلة، فأقر أقواله جميعا حتى بلغ هذا الجواب الأخير، فتردد حياله لا يدري أأخطأ أم أصاب، وظل على تردده طويلا. أما المرأة فقد غمغمت وهي تنظر فيما أمامها: لشد ما أتمنى أن أكذب أذني.
وأدرك أنه تعجل بعد فوات الفرصة، وسخط على نفسه حانقا، ثم صب سخطه على ما حوله، فاندفع قائلا بلا وعي مداريا خطأه بما هو أمعن في الخطأ: إنك تفعلين ما تشائين دون تقدير للعواقب، وكنت أنا دائما الضحية التي تتلقى الإساءة بلا ذنب جنته، وقد ظننت العمر رادك إلى شيء من العقل، فما أعجب إلا لقائل يقول إنك شارعة في الزواج من جديد! ... يا لها من فضيحة تتجدد كل بضعة أعوام كأن لا نهاية لها!
من شدة اليأس راحت تصغي إليه فيما يشبه اللامبالاة، ثم قالت بأسى: أنت ضحية، وأنا ضحية، كلانا ضحية لما يوسوس به إليك أبوك وتلك المرأة التي تعيش في كنفها!
وعجب لهذا الانحراف في مجرى الحديث الذي بدا له مضحكا، بيد أنه لم يضحك، ولعله ازداد غضبا وهو يقول: ما دخل أبي وزوجه في هذا الشأن! ... لا تتملصي من فعالك بإلقاء التهم في وجوه الأبرياء.
فهتفت بصوت يشبه الأنين: ما رأيت ابنا أقسى منك! ... أهذا خطابك لي بعد فراق أحد عشر عاما!
فلوح بيده في احتجاج غاضب وقال بحدة وسخط: الأم الخاطئة خليقة بأن تلد ابنا قاسيا. - لست خاطئة ... لست خاطئة ... ولكنك قاس غليظ القلب كأبيك.
فنفخ في ملل وصاح بها: رجعنا إلى أبي! ... حسبنا ما نحن فيه ... اتقي الله وتراجعي عن الفضيحة الجديدة ... أريد أن أمنع هذه الفضيحة بأي ثمن.
ناپیژندل شوی مخ