فشبكت ذراعيها على صدرها في استسلام اليائس وقالت بإشفاق حزين: إنه سوء الحظ ولا شيء غيره، إني سيئة الحظ، هذا كل ما هنالك.
فبادرها قائلا، وقد تقلصت أساريره وانتفخ لغده، فلفظ الكلمات كأنما يلفظ مستخبثا تعافه النفس: لا تحاولي أن تبرئي ساحتك فما يزيدني هذا إلا ألما على ألم، من الخير أن نسدل على آلامنا ستارا يخفيها ما دمنا لا نستطيع أن نمحوها من الوجود محوا.
ولاذت بالصمت على كره والقلب يشفق إشفاقا شديدا من هائج الذكريات على طيب اللقاء، وما بعثه في نفسها من آمال، وجعلت تلحظه بقلق كأنما تستخبره عما يطوي عليه صدره، فلما ثقل عليها صمته قالت متشكية: لا تلح في تعذيبي وأنت وحيدي.
ووقع الكلام من نفسه موقعا غريبا كأنما يكشف له لأول مرة، بيد أنه وجد فيه باعثا جديدا للهياج والتوتر، إنه ابنها حقا، وإنها أمه الوحيدة كذلك، ولكن كم رجلا! ... وأشاح عنها بوجهه ليخفي ما ارتسم على صفحته من آي التقزز والغضب، ثم أغمض عينيه فرارا من ذكريات مناظر بشعة، عند ذاك سمعها تقول برقة وتوسل: دعني أعتقد بأن سعادتي الراهنة حقيقة لا وهم، أجل حقيقة لا وهم، وبأنك جئتني منفضا عن قلبك أحزان الماضي كله إلى الأبد.
فنظر إليها نظرة طويلة مركزة وشت بخطورة أفكاره إلى حين، ولم يكن شيء في تلك اللحظة يستطيع أن يعدل به عن النفاذ إلى غرضه ولو بتأجيله، فقال بصوت يدل على أن ألفاظه التي يتفوه بها أقل بكثير من المعاني التي يوحي بها: هذا يتوقف عليك أنت، فإن شئت كان لك ما تحبين.
فتجلت في عيني المرأة نظرة قلق نمت عما تعاني من إيحاء الخوف وقالت: إني أرغب في مودتك من أعماق قلبي، وطالما تمنيتها، وكم سعيت إليها فرددتني بلا رحمة.
ولكنه كان مشغولا عن كلامها الحار بما يضطرب في ذهنه، فقال: بيدك ما تتمنين، بيدك أنت وحدك، إذا جعلت من الحكمة رائدك.
فتساءلت المرأة في انزعاج: ماذا تعني؟
فأحنقه تجاهلها وقال بتذمر: مضمون كلامي واضح، هو أن تعدلي عما لو صح ما بلغني عنه لكان فيه الضربة القاضية علي!
فاتسعت عيناها وتجهم وجهها في يأس غير خاف، وتمتمت وهي لا تدري: ماذا تعني؟
ناپیژندل شوی مخ