116

بحر متوسط

البحر المتوسط: مصاير بحر

ژانرونه

وكانت بلاد اليونان أكثر ما يطلب نيل الحظوة منه من بين جميع الولايات الرومانية، وكانت جميع طبقات المجتمع الروماني تبجل أم حضارتها في كل دور. وكان الأباطرة يتسابقون في بذل الجهود لجعل الأغارقة ينسون ما يشعرون به من ألم بسبب تخريب كورنث، ورأى يوليوس قيصر أن يكفر عن جرم أجداده بإقامته قبل موته بزمن قليل كورنثا جديدة لتكون عاصمة، وقبض أغسطس على ناصية بلاد اليونان بعد حرب دامت ستين سنة ومع وضع بالغ الخطورة فحولها إلى ولاية أكايي، وفي هذه البلاد بدأ بالطريق التي زحفت منها جيوش الرومان إلى بزنطة بعد زمن. والطرق الرومانية هي الطرق الصالحة الوحيدة التي عرفتها بلاد اليونان في ألفي سنة، وبهذه الطرق كان يعرب عن شكر رومة الوضيع تجاه صنيع أثينة الذي لا حد لخيره وفضله، ورومة هي التي لم تعرف غير التفكير في تعبيد الطرق وسن القوانين.

ومع ذلك كان الأغارقة قد نسوا ما هي الحرية في عهد نيرون الذي كان يظن نفسه شاعرا؛ أي سليل الأغارقة الروحي، فحاول أن يفوق أغسطس بأن يعيد إلى ولاية أكايي استقلالها، واضطر فسبازيان إلى إعادة تمثال هذا البلد التابع ، ثم وحد أدريان جميع الأغارقة محدثا بذلك وحدة لم يستطيعوا نيلها حتى في زمن عظمتهم.

وذلك يحمل على التفكير في أمر ابن السبعين سنة الذي يتزوج مؤخرا خليلته المملوءة فتاء، والواقع أن أثينة ظلت فقيرة على ما بذل لها من تكريم، ويا للرمز في قيام دخل الأغارقة على إصدار الرخام والأرجوان؛ أي على إنتاج ما هو نفيس! وكان يستعطى في البيرة أكثر مما في أيامنا! وكانت البلاد ترجع القهقرى من كل ناحية، حتى من حيث عدد السكان، وقد قص جد بلوتارك على حفيده هذا كيف ألزمه أنطونيوس مع أبناء وطنه بحمل آخر وسق من القمح على ظهورهم لعدم الخيل والعبيد، وذلك إلى الميناء وحتى مراكب الجنود، وعلى العكس حمل قيصر على توزيع الحبوب في أثناء تلك الحروب بين الأغارقة الجياع، وينم ذانك الأمران على ما بين الطبعين من تفاوت.

واستولت قبائل جرمانية وحشية على بلاد اليونان في القرن الثالث، وكان هذا سنة 269، وكانت سنة هول، وقد ظلت هذه السنة قائمة في ذاكرة الإنسانية كما ستظل سنة 1940 ماثلة في ذاكرة الأجيال القادمة. نعم، سطع نجم المجمع العلمي بأثينة مرة أخرى في القرن الرابع، غير أن أثينة نفسها لم تكن حرة، وقد دام سلطان رومة عليها بين سنة 300 قبل الميلاد وسنة 300 بعد الميلاد، ثم سيطرت عليها بزنطة خمسة عشر قرنا، فبذلك تراها عبدت من قبل دول وأمم دونها مرتبة مدة ألفي سنة. ولكنك إذا نظرت إلى كل ما هو غريب عن أرض اليونان لم تجد نفعا في غير اثنين، في البرتقال الذي جاءها من آسية في القرن الحادي عشر، وفي العنب الذي أدخل إليها من إزمير في القرن السادس عشر.

9

المال والقوة المسلحة هما العاملان اللذان كانت تعتمد عليهما الإمبراطورية الرومانية، وقد تضاف الملاحة إليهما أيضا، غير أن هذا العامل كان يتوقف على المال تماما. وكان لا يسافر بين نوفمبر ومارس بحرا؛ أي بعد انقضاء فصل القرصنة الكبير، وعلى العكس كانت الأسفار سريعة في الصيف فيقطع بين نابل وكورنث في خمسة أيام عند ملاءمة الوقت، وكان يقطع ما بين رودس والإسكندرية في ثلاثة أيام، ويقطع ما بين مسينة والإسكندرية في ستة أيام. ويروي ديودورس خبر سياح في عصر يسوع كانوا يقطعون ما بين بحر آزوف ومصر، أي ما بين أبرد منطقة وأحر منطقة في أربعة وعشرين يوما. والشرر الكهربي، لا البخار، هو الذي حول الوزن العالمي، وبما أنه كان لا يوجد سفن ركاب، وبما أنه كان لا يوجد غير قليل من المراكب التجارية المعدة لقبول السياح، فقد كانت هذه السفن غاصة في الغالب، فمما قصه الرسول بولس مثلا أنه سافر إلى الإسكندرية مع 276 راكبا.

ولكن ما أكثر ما كانت تجلبه تلك المراكب إلى المخازن الكبرى في رومة! كانت تجلب إليها قطاع وجبن من بلاد الغول وبريتانية، وجبن من جبال الألب السويسرية، وتن من كلسيدونية، ومحار من تارانت، وسمك من الرين والموزل والدانوب، وكان الزجر

13

يأتي من البنطش في قلله، وكان الخرشوف يرد من قرطاجة والعدس من مصر والإجاص من سورية والمشمش من أرمينية والدراق من فارس، وكانت الخمر تصل من كل مكان، وكان لراح بوردو حق الحفظ في مخزن خاص بالميناء منذ القرن الثالث، وكان قيصر يوزع الزيت القائم مقام الصابون في الحمامات العامة مجانا، ومما كان يرد أيضا ملح المناجم والينابيع والصوف من إسبانية والجلود والفراء من الشمال والثياب الأرجوانية والأحذية الذهبية من فنيقية في كل وقت كما قبل ألف سنة. وقد بلغ النقد من قوة الشراء ما كان ثمن الحمل معه نصف دولار وما كان ثمن كل أربع لترات من الخمر معه سنتا، وعند الفيلسوف المليوني سنيكا أنه كان يمكن الفيلسوف أن يعيش بأربعة سنتات في كل يوم، وتدلنا هذه الأثمان على عظم رواتب الجنود، فقد كان راتب الجندي نحو مائة دولار في كل سنة، وكان الإمبراطور إذا ما رد الجندي إلى بلده يعطيه ألف دولار فضلا عن ذلك. وكان في دور الانحطاط يرى في الكتيبة أحيانا طهاة ومشخصون أكثر من الجنود. وكان يمكن العبيد أن يشروا حريتهم بعد خدمة طويلة تحت السلاح، وأن يغتنوا فيتملقهم الأشراف مع ازدرائهم في الوقت نفسه، وكثيرون من هؤلاء من تزوجوا بنات من الأشراف كما يفعل أغنياء اليهود في زماننا، ويروى أن العبد بلاس الذي أعتق قد جعل العلماء الخضع يضعون شجرة نسب له فجعلوه سليل ملوك الإغريق.

وتتجلى درجة انحطاط الرومان في أمرين قاطعين كما في كل مكان، تتجلى في الرشوة والرق.

ناپیژندل شوی مخ