108

بحر متوسط

البحر المتوسط: مصاير بحر

ژانرونه

وكذلك كانت قد مرت ثلاثة قرون بين هجوم برينوس على رومة الصغيرة الناشئة وغارة الجرمان التي وقعت سنة 113 قبل الميلاد، وفي ذلك الحين تغدو رومة قاعدة فيستحوذ الذعر عليها، كما بعد ثلاثة قرون، لما ذاع من نبأ أتى من الشمال قائل إن جحفلا هائلا مؤلفا من البرابرة جاوز جبال الألب التي هي حصن طبيعي، ولم يكن ذلك جيشا، بل أمة، بل أمم بأسرها، جلبت معها نساءها وأولادها كما جلبت أدوات منزلية وخياما على عرباتها، وكان الرومان يسمون هؤلاء القوم ب «رجال لهم شعور الشيب»، وكان هذا هو تأثير شعورهم الشقر، وكان لهذا التأثير في مجموعه مثل تأثير الطوفان والزلزال والطاعون.

وكان طراز قتال هؤلاء الغرباء فاسدا ابتدائيا كطعامهم من اللحم الذي يأكلونه نيئا، وكان هذا الطراز وحشيا كأصوات نسائهم المعتصمات وراء العربات عندما يحرضن الرجال على النزال. وكان الرجال يحملون تروسا عالية علو الرجل ويتقلدون دبابيس وسيوفا طويلة فيتقدمون إلى المعركة مربوطا بعضهم ببعض بحبال، وكانوا ينقضون إلى الأمام ومن خلال البلاد والمعارك فيكتب النصر لهم على الدوام، وكانوا يذبحون أسراهم ويضحون بمن هم أكثر شبابا قرابين لآلهتهم، وكانت العجائز يجمعن دم هذه القرابين البشرية ويخبرن عن المستقبل بفحص أحشائها. وكان جميع هذا أمرا جديدا لدى الرومان وإن كانوا قد قاتلوا برابرة الشرق زمنا طويلا واقترفوا ضروب المظالم.

وكانت هذه الشعوب الجرمانية من سنبريين وتوتون (وهؤلاء التوتون هم أصل كلمة «الزعيم التوتوني» الحاضرة) قد تغافلت عن الزحف إلى رومة في أثناء غزوها الذي دام عشر سنين. وعلى العكس كان أولئك الأقوام يشاهدون مع الدهش في بلاد الغول وعلى طول نهر الرون ونهر السين وإلى ضفاف نهر الإيبر، وكانوا يستولون على الكروم فيحوطونها بعظام أسراهم محدثين منظرا أوحش من السياج الخشبي، وكانوا يرسلون بعد كل انتصار رسالات نصر إلى القنصل ضارعين إليه بكلام مؤثر أن يمنحهم أرضين قليلة، وكانوا، إذا ما بدئ بالمفاوضة، يهجمون على جيش العدو بغتة. وقد ذكر إسترابون ومؤرخون آخرون صدور هذه الحيلة وهذه الخيانة عن الجرمان. ولما غلبهم ماريوس بعد قتال دام ثمانية أعوام، أبصر كثيرا من النساء يقذفن أولادهن تحت العجل ويقتلن أنفسهن فرارا من السبي.

وذكرى هذا «الهول السنبري» التي تحولت إلى أسطورة نفرة في رومة، كانت إحدى العلل التي حفزت قيصر إلى احتلال بلاد الغول، وإذا استعملنا اللغة الحديثة وجدنا أن هذا يعني فتح إيطالية لفرنسة حتى تحمي نفسها من ألمانية. وقد هدد الجرمان فرنسة في القرن الأول قبل الميلاد لمثل الأسباب التي ظهرت بعد ألفي سنة؛ أي لكون فرنسة أغنى من ألمانية وأخصب منها. وكان الغوليون يجلبون منذ قرون ما يحتاجون إليه من الخمر والزيت من المستعمرات اليونانية في الريفيرا، وقد تعلموا من الرومان زراعة القمح وتربية الضأن. وقد ذهب قيصر إلى ما وراء الرين ثلاث مرات، ولكن لبضعة أسابيع فقط. وفي ذلك الحين زالت قبائل السلت التي كانت بين الرومان والجرمان، ولم تنشأ حصون الليم، التي هي ضرب من «خط ماجينو»، بين الأمتين إلا بعد ذلك بقرن واحد.

ولما وصل أغسطس إلى السلطة كان جاهلا للخلق الجرماني في أول الأمر، فعامل الجرمان باللين، فعد هؤلاء ذلك ضعفا، وقد منح بعض القبائل أرضين ومنافع، وقبل بعض أبناء الرؤساء في بلاطه حيث نال هؤلاء الوحوش، الشقر الشعور والزرق العيون والمفتولو السواعد، فوزا سريعا لدى النساء اللائي فقدن حس الاستيطاب، وصار الشعر الأشقر «على النمط التوتوني» موضة

6

في رومة فأخذت سيدات مجتمعها الراقي يجلبن من جرمانية خصلا مصنوعة. وكان الشاعر هوراس أبعد نظرا من الإمبراطور أغسطس الذي عد محيطا بالعالم، فقد تمنى لأغسطس نصرا على القبائل الجرمانية كأكبر فوز في حياته.

ومع ذلك فقد أفرط أغسطس في مراعاة الجرمان، وقد استخدمهم متطوعين في حرسه الخاص. ومما حدث في ليلة عاصفة أن سمعوا على بركان الإتنة، وحينما كانوا مادين تروسهم فوق الإمبراطور النائم، هديرا صادرا عن هذا الجبل، فساد أبناء الشمال هؤلاء هول قاتل، والمنظر رمزي، وهو يعبر عن أخلاق الجرمان الغرباء عن البحر المتوسط منذ الأزل، وها هم أولاء يسهرون على الإمبراطور الروماني النائم في إحدى جزر البحر المتوسط، وتزمجر قوى العناصر الطبيعية حولهم. وهكذا تتقهقر الدببة الشابة، التي لم تخفها أية زوبعة في غابتها المنيعة، أمام ذلك الذي لم يتعودوه والذي كانوا يودون حيازته. ومن المحتمل أن وجد بينهم في تلك الليلة من أبناء رؤساء الجرمان مربوت وأرمينيوس اللذان كانا يتجسسان بين حرس الإمبراطور لتسهل إبادة كتائبه في الغابة الألمانية بعدئذ!

والحق أن هذا هو الذي جعل سني أغسطس الأخيرة قاتمة، وأغسطس كان يرجو أن يتم عمل قيصر من جميع الوجوه، أو أن يقلد الرجل الذي ورث اسمه وسلطانه ومجده، وأغسطس قد حاول في مشيبه أن يفتح جرمانية حتى يجعل من نهر الإلبة ونهر الدانوب حدودا لرومة. وقد أراد أغسطس أن يقوي جميع المنطقة الواقعة فيما بين البحر الأسود وبحيرة جنيف، فأرسل أسطولا إلى البحر البلطي لإنزال كتائبه إلى البر، وهكذا يقضي 150 ألف رجل فصل الشتاء في الغابات الوحشية للمرة الأولى، ويخادع أرمينيوس الرومان في معسكر فاروس فيتنطس أدق الأمور. وما انتهى إلينا من التقارير عن معركة توتوبرجرفالد، التي وقعت في السنة التاسعة قبل الميلاد، قليل إلى الغاية؛ وذلك لأن الغالبين كانوا لا يعرفون الكتابة، ولأن المغلوبين لم يودوا تدوين ذلك. والواقع أنه لم ينج من الرومان غير القليل، ويضل الجيش الروماني الكبير في «ركن خامس» من أركان القرون القديمة، ويساق إلى بقعة مستنقعة بطرق ضيقة ضالة، وينتحر فاروس، ويصل رأسه المفصول عن جسده بلي عجيب إلى رومة بعد مروره من بوهيمية كما صار يسار بالغنائم المماثلة بين بزنطة وباريس فيما بعد.

ويهد خبر هذه الهزيمة الهائلة أغسطس، فلم يسطع أن يعيش من الزمن ما ينتقم فيه.

ناپیژندل شوی مخ