107

بحر متوسط

البحر المتوسط: مصاير بحر

ژانرونه

وقد يكون العالم مدينا بهذه اللهجة الصافية في شعر هوراس لما مني به هذا الشاعر من حبوط في الميدان السياسي، فهو بعد أن دفعته الحوادث السياسية بجفاء لم يجد له ملجأ غير الشعر الرعائي، وما كان يصدر عنه في الحين بعد الحين من شرر تهكمي خبيث كان يسطع كالندى على بساط شعره الزاهر، ومما يدرك أيضا ما في وضعه من تقلب، فلما هوجم لعدم الأخلاق في أشعاره اتخذ لهجة خلقية من فوره، وما أكثر سعادته في عدم خروج بروتوس ظافرا من فليبي! ولولا هذا لغدا هوراس وزيره ولم يعش إلا لفرض المكوس على العطور الواردة من أنطاكية أو لتحديد الضريبة على البيوت المغلقة في الضفة اليسرى من نهر التيبر، ولو فتح ولاية جديدة أو صار إمبراطورا أو قهر الفرس لخسر العالم موسيقى أشعاره التي ظلت خالدة بعد جميع قواد عصره الذين نذكر منهم أغريبا الكبير أيضا، فما كان جمال اللغة اللاتينية ورقة العاشق ليجدا ما هو أروع من شعره:

ما دمت شاكرا لك

ولكن بما أن هوراس بقي شاعرا فقد اكتشفه فرجيل وقدمه إلى ميسين، وقد وهب هذا الأخير له عقارا صغيرا مع ثمانية عبيد فنال في مقابل هذا اسما خالدا أكثر شعبية من اسم الشاعر نفسه، ومن ذا الذي لا يعرف اسم ميسين؟! لقد شكر له هوراس ما صنع بأبيات رقيقة، ولم يعش بعده إلا قليلا.

وفي بيت ميسين لقي هوراس الإمبراطور.

عرف أغسطس العبقرية فيه، وحاول أن يجعل منه شاعرا متملقا، عارضا عليه منصب سكرتير في البلاط؛ أي مقاما ذا نفوذ وفاتحة للثراء، ويرفض هوراس ذلك، ومع ذلك يوافق على كتابة نشيد عن معركة أكسيوم التي لم تكن في الحقيقة غير قتال بين خلفاء قيصر المختلفين، ويتغنى هوراس بعد حين بما ناله أبناء الإمبراطور من انتصارات ويضع نشيدا للدور كله، فيمكن أن يقال مع التوكيد إنه صنع ذلك بأمر أغسطس، ويمكن أن تحذف هذه الأناشيد من أثره، وذلك كنشيدي النصر لبتهوفن وفاغنر. ولما وضع قصيدة في نهاية الأمر ملاشيا بقلمه كليوباترة التي هي عدوة الإمبراطور العظيمة صارت هذه القصيدة نشيدا سريا، وذلك لترجح واضعه بين الإعجاب بالبطلة والمناحي التي أوحي له بها، وكان على أغسطس أن يتبسم من ذلك لو كان يستطيع ذلك.

والحق أن أخلاق أغسطس كانت تجعله عاجزا عن نيل السعادة، وذلك على الرغم من انتصاراته الواسعة الكثيرة التي لم تتفق لأحد من أسلافه في منطقة البحر المتوسط. وقد كان هذا ثمنا للحياة الثنائية التي كان يقضيها، وقد كان هذا لتمثيله دور الخلقي ولتفويضه إلى خدمه اختبار جمال النساء اللائي كن يرقنه واستبار صحتهن، ولا ريب في أن الرجل الذي نفى الداعر أوفيد كان فاجرا، ومن الطبيعي أن كان يجد في آله ما يخفيه من العيوب، وقد اضطر إلى رفض ابنته التي كانت تقضي حياة فجور. وقد نشأت أحقاد وتبنيات ومآس عن دعوة الإمبراطور إلى خلافته واحدا بعد الآخر من الأبناء والأصهار والحفدة، ومع ما كان من محاولة الإمبراطور أن يوطد أمر ذريته كسر، كنابليون، قلب أقربائه ومن هم أعز الناس عليه، وقد ملأ الخوف والقلق نفس العاهل حتى موته حوالي الخامسة والسبعين من سنيه.

ولم تنجم تلك المشاعر عن مصاعب خلافته وحدها، بل كان أغسطس المحتضر ينظر إلى جبال الألب، فمن الجرمان كان يأتي الخطر، وفي زمن يسوع كان البحر المتوسط مهددا من الشمال للمرة الثالثة.

5

لم يكن معظم الأمم التي اجتذبها البحر المتوسط من الملاحين ، ويظهر أن الغوليين كانوا قبل ظهور الرومان قد وصلوا إلى شواطئ الجزر البريطانية بقوارب ذات أشرعة من جلد، ولكن الغوليين لم يغامروا في البحر المحيط، وأما الجرمان فكانوا بريين. وهذه الشعوب لم تجذب إلى عرض البحر إذن، وهي كانت تكتفي بالملاحة على طول السواحل، وما كانت أمم الشمال الغالبة لتتعود البحر حتى عصر النورمان، وهي لم تبق في الجنوب زمنا طويلا، وما الذي كان يجتذبها إذن؟ لقد كان عندها من الأرضين ما يكفي، وإن كانت تزعجها القبائل الآتية من الشرق.

والذي كانت تبحث عنه هو أن تصبح صاحبة لأرضين أحسن من تلك، وقد وصلت إلى جرمانية أسطورة الشواطئ الأكثر شمسا وخصبا والمملوءة حرارة تحت سماء زرقاء، وصلت إلى غابات البلوط والشجر المقطوع العقيم. وفي بلدهم؛ أي في البقاع الواقعة بين البحر البلطي وهنغارية الحاضرة؛ أي بين الفستولا والإلبه، لم ير بر ولا ثمار ولا كرمة، وقد زارها بوزيدونيوس حوالي سنة 90 قبل الميلاد فأضاف شرحا إلى وصفه البلد قائلا: كان يجب على أوميرس أن يذهب إلى هنالك ليصف الجحيم، وكانت شمس البحر المتوسط تلقي لونا ذهبيا جميلا على رخام معابد أثينة في ذلك العصر ومنذ ثلاثة قرون.

ناپیژندل شوی مخ