وأما ما يؤدي اليه مذهبهم من البطلان فهو ما أشار اليه الناظم بقوله: (لو كان هذا.. الخ) أي لو صح مذهب الجبرية وثبت القول بالجبر للزم عليه بطلان الأمر والنهي والوعد والوعيد، لأن العبد إذا لم يكن له قدرة على فعل شيء من المأمورات ولا على ترك شيء من المنهيات كان توجيه الأوامر والنواهي اليه عبثا ينزه الباري تعالى عنه، وإذا بطل توجيه الخطاب اليه بالأمر والنهي بطل توجيه الوعد والوعيد اليه لأن الوعد مترتب على فعل الأوامر والوعيد مترتب على فعل المناهي، وإذا بطل هذا كله بطل إرسال الرسل لأنهم إنما يرسلون لذلك ومع بطلان ذلك فلا فائدة ولا حكمة في الإرسال فيؤدي مذهبهم الى إبطال النبوات كما ترى، نعم ويؤدي الى إبطال التكليف رأسا لأن من لا اكتساب له ولا اختيار لا يصح في الحكمة تكليفه كما لا يصح تكليف النباتات والجمادات وهذا معنى قوله: (وجاز تكليف الجماد كالنبل) جمع نبيل وهو العاقل.
ثم إنه لما كان للجبرية شبه في خلق الله تعالى لأفعالنا وفي علمه بهن وفي ارادته لهن، أخذ يدفع وجه الشبهة في ذلك ويبين ان هذه الأشياء كلها لا تستلزم الجبر ولا تنافي الاكتساب فقال:
(205)(وخلقه أفعالنا وعلمه بهن لا يوجب جبرا حكمه)
(206)(كذاك كونها له مرادا لأنه قد خير العبادا)
(207)(لو لم يكن يعلم ذا لجهله لو لم يكن خالقه من فعله)
(208)(لو لم يرد وقوعه ووقعا لكان مكرها على ما صنعا)
مخ ۲۸۶