(209)(لكن لذا التخيير واكتسابنا قد انتفى الإجبار عن رقابنا) أي نعتقد أنه تعالى خالق لأفعالنا وأنه تعالى عالم بها ومريد لها، ومع ذلك كله فهو قد خيرنا في فعلها وتركها، أي لم يجبرنا على واحد من الأمرين فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وقد وعد بالثواب على امتثال أوامره وترك مناهيه، وتوعد بالعقاب على فعل مناهيه أو ترك أوامره، ولا يلزم من خلقه تعالى لأفعالنا ومن علمه بهن ومن إرادته لهن جبرنا على فعلهن ونفي اكتسابنا لهن، لأنه تعالى لم يثبنا ولم يعذبنا على خلقه لهن ولا على علمه بهن ولا على ارادته لهن، وإنما أثابنا وعذبنا على اختيارنا وكسبنا لهن وهو تعالى قد جعل لنا اختيارا في ذلك وقدرة صالحة لإكتساب ذلك فلأجل هذا الإختيار ولأجل هذه القدرة المكتسبة قد انتفى عنا الجبر على أفعالنا، وإنما قلنا إن الله عالم بأفعالنا لأنه لو لم يكن عالما بها للزم أن يكون جاهلا بها وهو تعالى متصف بالكمال الذاتي والجهل من صفات النقص يستحيل اتصافه به تعالى وهذا معنى قول الناظم: (لولم يكن يعلم ذا لجهله)، وأما معنى قوله: (لو لم يكن خالقه من فعله) أي لو لم يكن تعالى خالقا لأفعالنا فمن الخالق لها إذا؟! هل من خالق غير الله؟ وقد تقرر فيما تقدم بطلان القول بأن العبد خالق لفعله واذا بطل أن يكون العبد خالقا لفعله فبطلان أن يكون غيره من المخلوقات خالقا لفعله أظهر، وإذا بطل هذان النوعان ثبت أن الخالق لذلك هو الإله.
وأما قوله: (لو لم يرد وقوعه.. الخ) أي لو لم يرد تعالى وقوع فعلنا ووقع على خلاف مراده للزم عليه أن يكون مكرها على وقوع ذلك الفعل مغلوبا في حدوثه والإكراه ينافي الإختيار والإرادة ومن كانت هذه حالته فليس بإله، على أنه تقرر أن الإله متصف بالكمال الذاتي والإكراه يضاد ذلك وينافيه والله تعالى أعلم.
الباب السادس
في الإيمان والإسلام
وبه يتم الكلام على الركن الثاني إن شاء الله تعالى
(210)(إيماننا التصديق، والإسلام إذعاننا لما دعا الأحكام)
( 211)(ولهما في الشرع معنى ملتزم تصديق قول عملا إذا لزم)
مخ ۲۸۷