ولكنني أود لو يعلمون كم يبلغ العابدون في محراب هذه الوثنية من أهلها ومن غير أهلها، فإنهم لكثيرون بل جد كثيرون ...!
فإن بين المحرومين من كل مظهر لمن هو أخلص عبادة لهذا الوثن من أقرب المقربين إليه، وأوفرهم حظا من نعمته؛ لأنه ينقم عليك أن تساويه في مظهره ولا تساويه في هوانه، وأن تعلو حيث يهبط وترتفع حيث ينحدر، وتسلم لك الشهادة حيث تبطل عندك المكابرة واللجاجة، فلا يقاربك بواقعه ولا بدعواه!
وخذ مثلا من هؤلاء العباد «المتطوعين»، مخلوقا عرفته لا له في العلم ولا في دعواه، ولا يخطر له يوما أن يحسب في زمرة العلماء من حملة الألقاب، ولا في زمرة العلماء العاطلين، ولا العلماء المغمورين والمجهولين المنسيين، بل لعله - وهو طرزي بلدي - لم يطمع إلى مزيد من الشهرة فوق مكانته بين أهل الصناعة، ناجحين أو كاسدين ...
ولكنه كان أغيظ ما يغيظه أن ينهض الناس تحية لفاضل من فضلاء عصره لم يكن من ذوي الألقاب والأحساب، ولكنه كان موفور القدر في أعين ذويها، وفي أعين الناس ممن يعبر بهم في طريق الطرزي، من ميدان التوفيقية حيث يسكن، إلى قهوة «الإسبلندد» حيث يلتقي بالإخوان والصحاب، وأكثرهم من ذوي المراتب والمظاهر، وكلهم يلقاه بذلك التوقير وذلك الترحاب ...!
وينفجر الطرزي غيظا وقد عبر الرجل الفاضل أمام دكانه، وقد وقفت أتحدث إلى صديق لقيته في ذلك الدكان فكدت أحسبها ترة من ترات الدم بين ذلك الطرزي وذلك الفاضل الموقر بغير لقب ولا حسب، ولا جاه ولا مال ... قلت له: أتعرفه؟
قال: لا والله، ولكنني عرفت حاله ، وهو «غلبان» في بيته وفي مأكله ومشربه وكسائه، فعجبت: ما هذه النفخة في غير شيء؟! وما هذا التوقير من هؤلاء المغفلين لإنسان لا يحسب من «الأفندية» ولا البكوات ... إلا بتقليد اللسان: «حتى مش بيه إلا بالكدب.»
ولقد عرفت الرجل فلا والله ما عرفت عليه سمة من سمات «النفخة» التي ادعاها عليه، ولكنه كان لا يقبع في حاله - كما قال - وهو يعلم أنه ليس من «الباشوات»، ولا من أصحاب المناصب والأموال ...
وحول «الأوثان» ألوف من هؤلاء العباد «المتطوعين» ذهبت بهم دولة الرتب والنياشين، ولكنهم حول الوثن الأخير لا يزالون راكعين ساجدين، وفاء لعهد المذلة والعادة، وإن فاتهم كل وفاء لكل علم ولكل دين. (2) أصدقائي الأطفال
أزاهير الرياض بشائر الخير والجمال، وترجمان الربيع بالألوان والعطور، والناس يحبونها ولا يعجبون من حبها، بل لعلهم يعجبون إذا قيل لهم: إن هذا أو ذاك لا يحب الأزاهير ...
ولكنهم قد يحسبون أن حب الأطفال «خبر» يروونه عن هذا أو ذاك ويفسرونه كما يفسرون غرائب الأخبار ...
ناپیژندل شوی مخ