) فاني رايتُ البَحر يعثُر بالفتَى ... وهذا الذي يأتي الفَتَى مُتعمدا (
اي أن سيف الدولة اولى بأن يرجى ويخشى من البحر، لأن البحر وإن أروى وأعطى، فليس شيء من لك على عمد ولا قصد، لانه لا رُوح له ولا فؤاد، فليس إذن يحمد على مكرماته ولاذميمٌ لآفاته. وهذا كقوله هو:
ألا لا أرى الأحداث حمدًا ولاذما ... فما بطُشها جهلًا ولا كَفها حلما
وأما سيف الدلوة فهو لكل ما يأتيه من إفاقة وإغناه وإمانة وإحياء، عامدٌ قاصد، لانه من نوع الانسان، الذي هو أشلاف الحيوان.
) وَتُحيي لهُ المالَ الصوارمُ والقنا ... وَيَقُتلُ ما تُحيى التبسم والجدا (
أي انه يغير فيغم بسيوفه ولاماحه، فهي تحيي له المال. ثم يهب عُفاته، ما يسلبه عُداته، وذلك في حال تبسُّمٍ وأريحية للعطاء، فذلك التبسم هو الذي يقتل المال الذي أحيتهْ الأشنة والصوارام، كقول ابى تمام:
إذا ما أغاروا واحتووا مال معشرٍ ... أغارت عليه فاحتوته الصنائع
وذكر التبسم والجدا هنا كقول كُثير:
غمرُ الرداء إذا تبسم ضاحكًا ... غلقت لضحكته رقاب المالِ
ولو قال) يميت (مكان) يقتل (لكان أشد مقابلة للحياة، لأن القتل ليس بضد الحياة إنما هو علة ضد الحياة في بعض الأوقات.
ونقيض الحياة إنما هو الموت. ومقابلة الشيء بنقيضه أذهب في الصناعة و) التبسم والجدا (: مرتبطان بيقتل، اي ويقتل التبسم والجدا ما تحييه الصوارم والقنا. ففي تحيى ضمير راجع إلى لقنا والصوارم، اي ما تحيى هي.
) هُو الجدُّ حتى تَفضُل العينُ أختها ... وحتى يكُون اليزمُ لليوم سيدا (
وإنما ذكر فضل يوم الأضحى وجعله سيد نوعه. ثم مثل به فضل سيف الدولة على جميع نوعه. وذلك في البيتين اللذين قبل هذا البيت. ثم عجب من تفاضل الاشخاص الواقعة تحت نوع واحد، على أن عنصر هذا واحد. فقال:) هو الجد حتى تفضل العين أختها (فبلغ بالعجب من العين التي تفضل صاحبتها على اقترابهما وشدة اقترابهما. وبالعجب من الآيام التي تتفاضل بما يحدث فيها من السراء والضراء وضروب الممالك والمناسك.
) أجزني إذا أنشِدتَ شعرًا فإنما ... بشعري أتاك المادحُون مرددا (
أجزني: اي أعطني الجائزة إذا مدحك غيري، فإن الشعراء إنما يأخذون معاني شعري، فيمدحونك بها، فاذن إنما المستحق بجوائزك أنا لاهُم. إذ لولا شعري لم يهتدوا إلى ما يمدحونك به. فكلما احسنوا فإنما الإحسان لي كقول الآخر:
فإن أنشدَ حَمادٌ ... فقد أحسن بشارُ
اي إن حمادًا إنما يأخذ شعر بشار. فالإحسان له، والإنشاد لحماد.
وله ايضا:
) ثيابُ كريمٍ ما يصُونُ حسانها ... إذا نُشرت كان الهباتُ صوانها (
يعني ثيابا رومية كساه إياها،) كان الهبات صوانها (اي أنه لا يصونها إنما يبتذلها بالهبة هي التي تكون لها مقام الصوان إذ لاصوان لها عنده وإذا لم يصن حسانها كان أحجى ألا يصون دُةنها.
) تُرينا صناعُ الرُّومِ فيها مُلوكها ... وتجلُو علينا نفسها وقيانها (
اي صورت الأنواع الحيوانية إلا الرزمان، فانها لم تصوره لعجزها عن ذلك وذلك أن الزمان هنا إما أن يعني به الفلك، ولا أحد يستطيع تصويره على حقيقته التي هو بها؛ وإما أن يكون الزمان هنا وجود النور وعدمه وذلك عَرَض والعرض لا يقتصور إلا في جوهره الذي هو منه.
) وأم عتيقٍ خالُهُ دون عمه ... رأى خلقها من أعجبتهُ فعانها (
وأم عتيق: يعني فرسًا. وعتقُها: مُهرُها، والعتق: الكرم وجعل لها خالًا وعما، يذهب إلى أن هذه الفرس ات طرفين كريمين مختلفين بالنسب، لأن ذلك مما يُستحب في الخيل أعنى ألا يكون الأبوان متناسبين.
وقد يستحب ذلك في الإنسان، لأنهم يزعمون أن الأبوين إذا كانا متناسيبن جاء الولد هنا وياُّ، اي مهزولًا، دقيق العظم) ابن السكيت (.
1 / 68