ومنه الحديث:) اغتربوا لا تُضْوُوا (. اي لا تنكحوا في الأقارب، فيجيء الولد ضاويا. وقال:) خاله دون عمه (يذهب إلى أن أباه أكرم من أمه، وذلك أنجب له.) رأى خلفها من أعجبته فعَانها (. يزعمون أن الشيء المُعجِب ربما أصابته العين فقسد لذلك، فيقول: رأى هذه الفرس بحجر من أعجب فعانها (. اي رأت خلفها فحلا حاول كَومها حين أعجبته، فأمكنته، فأولدها، فكأنه تنقصها بالإيلاد، كما يُتَنقص الشيء الحسن المعجب إذا أصيب بالعين.
) إذا سايرتهُ باينته وبائها ... وشانتْه في عين البصير وزانها (
أي باينته، من) البَون (اي باعدته. فان قلت. ينبغي على ذلك:) باونته (، لانه من الواو. فان شئت قلت: إن هذا على المعاقبة، ومعناهما: قلب الواو إلى ياء لغير علة إلا طلب الخفة، وهي لغة حجازية عربية. يقولون:) صُياغ (في) صُواغ (، ومياثق في مواثق، وهو كثير، قد عمل فيه يعقوب بابًا واسعًا. وإن شئت قلت: إنه من) البَيْن (الذي هو في معنى) البون (حكى أبو عُبيد، بينهما) بون (بعيدو) بَينٌ (. وقد بان صاحبه يبونهُ ويبينهُ. فحمُلك إياه على هذا. خيرٌ من اعتقاد المعاقبة الحجازية، لأنك إنما تلوذ بها إذا لم تجد عنها معدلًا.
و) شانتهْ في عين البصير (: اي شانته بكونها أمه لتقصيرها عنه) وزانها (، بكونه ابنها وهو زائد عليها.
) وأين التي لا تأمنُ الخيلُ شرها ... وشرى ولا تُعطى سواى أمانها (
إن شئت قلت: أين فرسي التي من أمرها وشأنها، من هذه الفرس المعيبة؟ وإن شئت قلت. أراد: هب لي الفرس التي هي أكرم من هذه الفرس التي وهبتها لي.
وقوله:) لا تأمنُ الخيلُ شرها (: إذا كَرَرْتُ بها. وأراد أهل الخيل، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه.) ولا تُعطى سواى أمانها (: اي لا يأمنُها إلا مثلي من الحُذاق بركوب الخيل.
وله ايضا:
) تَشبيهُ جُودِك بالأمطار غادية ... جُودٌ لكفك ثانٍ ماله مطرُ (
أي انك غاية في الجود لا فوقها، فإذا شبهنا كفك بالمطر، فالمشبه دون المشبه به، فقد بالغنا بمدح المطر وشرفناه. فكان هذا التشريف له بتشبيه جودك بهن جُودًا عليه ثانيًا من جودك علينا بالمال وخص الأمطار الغوادي، لأنها بالأغلب أغزرُ ما تكون حينئذ في أول النهار، والنفوس حينئذ شهمةٌ مُنشطة، فهي حينئذ أورق وأعلق.
وله ايضا:
) وقاسمك العينين منه ولحظه ... سَميُّك والخلُّ الذي لا يُزايل (
يعني بسميه والخل الذي لا يزايل: السيف. أما سميه فلأنه سيف، والملِكُ سيف الدولة، فهو وسيفه سميان. وأما كونه خلأ لا يزايلُه، فلأن السيف لا يفارق. فيقول: نظر إليك طامعًا إحسانك، وإلى سيفك، خائفًا من بأسك، يقلب طرفه من يمين إلى شمال، فذاك معنى المقاسمة، اي أن السيف قد قاسمك عيني رسول الروم فهو تارة يتأملك، وأخرى يتأمل سيفك ولحظه، عندي حشو، لانه إذا قاسمه عينيه فقد قاسمه اللحظ.
) وأكبر منهُ همةً بَعثت به ... إليك العدا واستنظرتهُ الحجافلُ (
اي أكبرت العدا همة هذا المُرسل، وأعظمت شأنه لإقدامه عليك، ومُثُوله بين يديك.) واستنظرته الحجافل (: اي سألته أن يُنظرها، بشغله إياك أيها المالك عنهم. فمعنى استنظرته: طَلَبت منه النظرة، اي التأخير.
) أطاعتك في أرواحها وتصرفت ... بأمرك والتفت عليك القبائل (
بالغ بإطاعتهم إياه في أرواحهم، لأنهم إذا أطاعوه في ذواتهم، كانوا أجدر أن يطيعةه فيما سواها. و) التفت عليك القبائلُ (: اي أحدقت بك العرب، لأن كل جيش مُحدِق بأميره.
وإن شئت قلت: جعله سطة لسراوة نسبه، وعلاوة حسبه، وقبائل العرب محيطة به، فالمحاط به أشرف من المُحيط، كالقلادة التي أنفسُها سطتُها. والدائرة التي أشرفُها نقطتها.
) رميتُ عداهُ بالقوافي وفضلهِ ... وَهنُ الغوازي السالماتُ القواتلُ (
وفضله: اي وفضائله. هذا أذهب في الصناعة، أي أعنى يعطف جميعًا على جميع في النية وإن لم يستقم ذلك في اللفظ. إذا أغضبتُ عداه لمدائحي فيه بفضائله النفسانية، فلم يجدوا في شعري مطمعا ولا في فضائله الذاتية مدفعا، فقد قتلتُهم بأن أغضبتهم وأعجزتهم، وسلمٍت هي في أنفسها، إذ لم يقدروا على غض أشعاري، ولا إنكارِ فضائله.
) يُتبعُ مُراب الرجال مُرُادُهُ ... فمن فرَّ حربًا عارضتهُ الغوائلُ (
1 / 69