وقيل ك الفجر هنا سيف الدولة، أقام غُرته مُقام الفجر، وبالغ في ذلك، حتى جعله قاتلًا ليل، وما طُلب عند ليل ذحل، ولا نيل منه ثأر قبل هذا.
) على طُرُقٍ فيها على الطُّرْقِ رفعةٌ ... وفي ذكرها عند الأنيس خُمُولُ (
رفعتها: أنها أكُمٌ وجبال، وخمولها: أنها غير مسلوكة لوعورتها، فهي لذلك خاملة. وقد يجوز أن تكون طرقًا لم يسلكها إلا جيش سيف الدولة، لأنها مخُوفة فالناس لا يعرفونها لذلك.
) وما شعرُوا حتى رأوها مُغيرة ... قباحًا وأما خلقُها فجميلُ (
أي قباح الأفعال بهم، وإن كانت في خلقتها جميلة، لأن خوفهم لها يُقيحها في أعينهم، فيخفى عليهم جمالُها. وهذا نحو قوله: حَسنٌ في عيون أعدائهِ اقبحُ من ضيفهِ رأتهُ السر فالحسن فيه طبيعية؛ والقبح عَرَض.
) وأضعفن ما كُلفنهُ من قُباقبٍ ... فأضحى كأن الماء فيه عليلُ (
قُباقب: نهرٌ دهمته هذه الخيل، فسدت مجاري الماء فيه، بكثرة قوائهما، فارتدع الماء، إلا ما تخلل شُعب قوائم الخيل، فأضعفته عن قوة جريه، حتى كأنه عليل. والعلة هنا كناية عن الضعف، إنما العلة في الحيوان، والماء ليس بحي.
) نَجَوت بإحدى مُهجتيك جريحةً ... وَخلفتَ إحدى مُهجتيك تسيلُ (
يخاطب الدُّمُستُق، وكان شُج في وجهه ونجا جريحًا، فهذا معنى قوله:) نجوت بإحدى مهجتيك جريحة (، وكان ابنه قد أسر، فلذلك قال:) وخلفت إحدى مهجتيك تسيلُ (، اي تركته يذوب في الكبل والحبس، مع ما اشتمل عليه من خشية القتل:
) إذا لم تكُن لليث إلا فريسةً ... غذاهُ ولم ينفعك أنك فيلُ (
ضرب) الفيلِ (مثلا لعظم عدد الروم، وضرب) الليث (مثلا لسيف الدولة وجيشه، اي فلا تُعجبن الروم كثرة عددهم، فإن الكمية لا تغني، وإنما الغناء للكيفية وقال:) غذاه (: أراد غذاهُ ذلك الشخص المفترس.
) أعادى على ما يُوجبُ الحُب للفتى ... وأهدأ والأفكارُ في تجُولُ (
اي أعادى على ما لدي من الفضائل النفسانية، كالشجاعة والفروسية، والفصاحة والشعر، حسدًا لي على ذلك. وكل واحدة من هذه الفضائل في حد الحقيقة، مُوجبة للحب، فكيف أشنأ على ما يُوجب الحب؟ يقول ذلك متعجبًا.
قال أبو الفتح: لو قال) أبغض (مكان) أعادى (كان أوفق في مذهب الشعر، يعني أبو الفتح: أنه لو قال ذلك، كان أذهب في باب التقابُل، لأن النقيض إنما يقابل بنقيضه؛ وكذلك الضدّ بضده. فضد الحب البغض. وضد العداوة الصداقة. فإذا قابلت بالحب، والصداقة بالشنآن، لم يكُ ذاك على تقابل الضد والنقيض.
لكن الذي يُسهل ذلك، أن العداوة علتها البغضة، التي هي ضد الحب، فأقام العلة التي هي العداوة، مُقام المعلول، الذي هو البُغض. ولولا ما يدخلُ التخفيف البدلي من الاضطرار، لقال: فأشنى، أو) أشنَ (على اجتمال الجزم، ولكن الاول أسوغ أعنى وضع) أعادى (مكان) أبغض (لما ذكرت، من دلالة العلة على المعلول.
وله ايضا:
) تُرى الأهلهَ وجهًا عم نائلُهُ ... فما يخُصُّ بهِ من دُونها البشرُ (
اي انه يكسب الأهلة بنظرها إلى غُرته نورًا وسعدًا، فتنال بذلك من جوده كما ينال الناس. فالبشر إذن نوع غير مخصوص بنائله بل هو عام للعالم العُلوي والسفلي.
وله ايضا:
) وشربِ كاسٍ أكثرتْ رنينهُ ... وأبدلتْ غناءه أنينهُ (
الشرب: اسم للجمع عند سيبويه، وهو عند أبى الحسن جمع. ويدل على صحة قول سيبويه: إن العرب إذا حقرت هذا النحو حقرته بوزنه، كما تحقر الواحد، فقالوا: شُريب ورُكيب. فلو كان جمعًا كما ذهب إليه أبو الحسن، لرُده إلى واحده في التحقير، ثم جمع بالواو والنون، فقيل: رُوَيكبون ورُوَيجلُون. وإنما كلام العرب ما قدمنا.
أنشدنا القرشي:
بنيته بعُصبةٍ من ماليا ... أخشى رُكيبًا ورجيلا عاديا
وذهب قوم إلى أن معنى البيت: أن هذا الشرب - وهم أعداء الممدوح - غنوا بمناقبه، حتى إذا سكروا هاج لهم السكر ذكر من سبا منهم وقتل، فأنوا حزنا، وعاد ذلك الغناء أنينًا وتفجعًا.
والذي عنتدي أن هؤلاء الشرْب غنوا، فأثخن فيهم هذا الملك وأوجعهم، فعاد ذلك الغناء رنينا وأنينا. وقوله:) أكثرَت (و) أبدلتْ (: إخبار عن الخيل والقنا اللتين في قوله:
) إن الجياد والقنا يَكْفِينهُ (
وله ايضا:
1 / 67