) والعشقُ كالمعشُوقِ يعذُبُ قُربُه ... للمُبتلَى وَيناَلُ من حَوبائهِ (
اي العشق مُلتذ محبوبُ، كما أن المعشوق كذلك. وكلاهما نائل من حوباء المُبتلى وقاتل له. وقوله:) والعشق كالمعشوق (: جملة يفسرها ما بعدها من البيت. كأنه لما قال: والعشق كالمعشوق، قيل له فيه، أو كيف تفسره للسائل، فتقديره: والعشق كالمعشوق في أنهما يعذُبان ويقتلان مع ذلك.
) وقُي الأميرُ هوى العُيون فإنهُ ... مالا يزُولُ ببأسه وسخائه (
اي وقى هوى العيون. وأما ما سواه فقد آمنتُه عليه، لأنه دافع له ببأسه وسخائه. وهوى العيون مالا ينفع فيه بأس ولا سخاء؛ فإنما أدعوا له أن يُوقى مالا طاقة لجوده وبأسه على دفعه.
) منْ للسيُوف بأن تكون سميها ... في أصله وفرنده وَوفائه (
اي بأن تكون مثل سميها في أصله، إما أن يرد: في نوعه الذي هو الإنسانية، وإما في قبيله، وفرنده؛ أو في صورته، لأن صورة الانسان أحسن من صورة السيف، ورونقه افضل من رونقه. وإما وفاؤه فلا وفاء للسيوف ولا عُذر إلا على المجاز، لأن ذلك من خواص الإنسان.
) إني دعوتُك للنوائبِ دَعوةً ... لم يُدع سامعهُا إلى أكفائه (
أي: دعوتك لخطب ليس كُفؤا لك، لأن كل خطبٍ دُونك، لا يعزُّك ولا يغلُبك.
وإن شئت قلت: كل نائبة وإن عظمت فهي دون أن يُدعى مثلُط إليها، وإن كنت لا تُدعى من النوائب إلا إلي ما أنت له كُفُوء، ما وجدنا ما يكون كفؤا لك، فندعوك إليه، لكن لا بد أن ندعوك لما ناب، وإن جل عنه خَطرُك، وعلا قدرُك.
وله ايضا:
) كأني عصت مُقلتي فيكُمُ ... وكاتمت القلبَ ما تُبصرُ (
هذه مبالغة في كتمان السر والضن بإذاعته، اي رأت عيني ما رأت، فكتمته عن قلبي. واذا كان القلب لم يعلم ذلك؛ لم يمكن أن يعلم غيرُه به، إذ لا يمكن أن يعلم غيرُك إلا ما علمته.
وإن شئت قلت: إذا رأت عيني ما تحبون كتمه، تناساه قلبي، حتى كأن العين كتمت عنه ما رأت. والمقولان متقاربان.
وقوله) فيكم (: أي من أجلكم. وعصيان المقلة للفؤاد: إنما هو كَتْمها عنه ما رأته، فكأنه قال: كاني عصت مقلتي فيكم قلبي، وكاتمته ما تبصر فحذف الأول لدلالة لثاني عليه، وأعمل) كاتمت (. إذ لو أعمل الأول واتزن لقال: وكاتمته القلب. اي عصت مقلتي القلب وكاتمته.
وله ايضا:
) إذا كان شَمُّ الروحِ أدنى إليكُمُ ... فلا برِحَتني رَوْضةٌ وَقَبُولُ (
اي إن كنتم إنما تؤثرون شم الروح، ونسيم الهواء. وذلك إنما يكون بحضور الروض والريح القبول، فلا زلت أنا روضة فتضمكم، وريحًا قبولًا تشُمونها، تلذ لكُم، إذ كلما كنتُ كذلك، فأنتم قريبٌ مني، وطالبون إلي.
قوله:) أدنى إليكم (: أي أشد إدناء لمن يُحبكم. وقوله:) فلا برحتني روضة وقبول (: أن شئت قلت: أراد فلا برحتُ روضة وقبولًا، فعكس، فجعل المعرفة الخبر، وهي) ني (والنكرة الاسم، وهي) روضة وقبُول (. وإن شئت قلت: إن) ني (من) برحتني (ليست بخبر، ولا برح هذه المقتضية للاسم والخبر. وإنما) بَرِح (هنا المتعدية إلى المفعول. وكقوله تعالى:) فَلَنْ أبْرح الأرضَ حتىَّ يأذنَ لي ربي (فيكون) ني (على هذا مفعولًا، ويكون التقدير: فلا فارقتني، أو فلا زايلتني روضة.
اي فإذا كان ذلك، قصدهم هذه الروضة التي عندي، فسعدت أنا بقربكم والأول أبلغ، لانه على ذلك القول الأول، يجعل نفسه ذات الروضة؛ ويتمنى الخروج من النوع الحيواني الإنساني إلى النوع النباتي، إيثارًا لهواهم، واختيارًا لقربهم.
) لقيتُ بدربِ القُلةِ الفجْر لقيةً ... شفت كَمدى والليلُ فيه قتيلُ (
اي أصبحت في هذا الموضع، أو أفجرت فيه.) شفت دمدى (. اي شفت اللَُقيةُ للفجر بانحار الليل، ما كان من الكمد.) والليل فيه قتيلُ (: اي قد ذهب، واشتمل ضده على محله، فكأن الليل لما عُدم أو قارب العدم مقتول.
وإن شئت قلت: طال على الليل بالصبابة، فكأنه وَترني، فاستوجب بذلك أن أطلبه بثأري: فأوقد سيف الدولة بالدرب نيرانا، فخالط ضوؤها دخانها، فبدت لي من الضوء المختلط بالدخان، سُمرة كسمرة الفجر، قبل أوان الفجر، فكأن هذا الملك قد قتل الليل بإيقاده هذه النيران، التي خَلْخَلَتْ كثافة الظلمة، فأنا أكنى بذلك عن ثأري، فيُشفي كمدي.
1 / 66