اي كنا قبل النوم نتخيل خياله بالتذر والتفكر؛ فلما نمنا رأينا خيال ذلك الخيال الذي كنا تخيلناه. وإن شئت قلت: إنه كنى بذلك عن قلة الزمن الذي استمتع فيه بالخيال. والإعادة بمعنى المُعاد، وضع المصدر موضع الاسم ولا يكون الخيال هو الإعادة، لأن الخيالَ جوهرٌ والإعادة عَرَض.
) نجني الكواكب من قلائدِ جيده ... وتنالُ عين الشمس من خلخالٍه (
السابق من هذا البيت إلينا؛ أنه شبه دُر قلائده بالكواكب لبياضه، وخَلْخاله بعين الشمس لاستدارته ولونه، إن كان من ذهب ولكن ألطف من هذا أن يقول إن هذا المحبوب ممنوع لا تصل اليد إلى العبث بقلائد جيده، ولا تمسُّ خلخاله الأيدي، فيقول: من مس قلائده فكأنه جنى الكواكب لبُعدها ومناعتها، ومن نال خَلْخاله؛ فكأنه نال الشمس لذلك أيضًا مع التشبيه الذي تقدم ذكره لو قال:) وننال الشمس من خلخاله (كان كافيًا في المعنى لكن قال:) عين الشمس (لأن هذه الجارحة مستديرة. وإن شئت قلت: إنه عنى بعين الشمس حقيقة جوهرها، لأن هذه الجارحة من الحيوان.
) بنتُم عن العين القريحة فيكُمُ ... وسَكنتُم طي الفُؤادِ الوَالهِ (
فيكم: أي من أجلكم، كما تقول: هُجرت فيك: اي من أجلك. وليست) في (هنا للوعاء) وسكنتم طي الفؤاد (: كان يعني من ذلك أن يقول: وسكنتم الفؤاد. ولكنه وطأ بذكر الوطن صنعةً وتسببًا، إلى خفظ إعراب القافية وجعل الهاء الأصلية في الواله لأن العرب تصل بها أصلًا كما تصل بها زائدة. قال:
ضوريةٌ أولعتُ باشتهارها ... ناصلة الحقوينِ من إزارِها
يُطرقُ كلبُ الحي مِنْ حِذارها ... أعطيتُ فيها طائعًا أو كارِها
فوصل بالهاء الأصلية في قوله كَارِهَا وفَارِها كما وصل بالزائدة في سائر الأبيات.
) فَدَلوتُمُ ودُنُّوُّكُم من عندهِ ... وسَمَحْتُمُ وسَماحُكُم من مالهِ (
اي فكر فيكم فأدناكم فؤاده، ولم تدنُوا أنتم بإرادتكم. فالمنُّ للفؤاد لا لكُم، وسمحتم وسماحكم من ماله. اي سمحتم له بالزيارة، وسماحكم من لدُنه لانه إنما كان لما امتثله خاطركم من ذكراهم، وتصور لقياهم. ولما ذكر السماح استجاز ذكر المال، وإلا فلا حقيقة له.
) اني لأبغضُ طيف من أحببُته ... إذ كان يهجرني زمان وصاله (
إنما شنأ الطيف، لانه وصله أيام هجر الحبيب له، وهو المُوجب لزيارة الطيف لأن إمكان الوصل الحقيقي لا يكاد يكون معنى خيال إنما الخيال مع عدمه لما يحدُث من الشوق والتوق.
وقيل معناه: إذا كان الحبيب يهجرني زمان وصال الخيال، وهذا من الضعف بحيث لا يلتفت إليه. وإنما نقلته تعجبًا.
) إن الرياح إذا عمدن لناظرٍ ... أغناهُ مُقبلُها عن استعجالهِ (
اي أن الممدوح من شيمة المباردة إلى الجود، ما يغني عن السؤال، كما أن للريح من السرعة ما يغني عن الاستعجال لها. والهاء في استعجاله يجوز أن تكون للناظر، فتكون في موضع الفاعل، اي من استعجاله إياها، ويجوز أن تكون للمٌبل، فتكون الهاء في موضع المفعول. وذلك أن الاستعجال مصدر، والمصدر يضاف إلى الفاعل والمفعول.
) غَرَب النُّجومُ فَفُزن دون هُمُومهِ ... وطلعن حين طلعن دُون منالهِ (
اي قد نال ما هو أعلى من النجم، وهمته في ذلك غير مقتنعة بما نالت، ولا مقتصرة عليه، فهي تطالبه بما هو أبعد من مطالعها ومغاربها.
وله ايضا:
) الفاعلُ الفعل لم يُفعلِ لشدتِه ... والقائلُ القول لم يُترك ولم يُقل (
اي يفعلُ الذي لم يفعله غيره، بل عجز عنه وقصر، لشدته وثقل مئُونته، و) القائل القول لم يُترك (: اي لم يُترك الناس اجتهادًا في أن يقولوا مثله، فهذا معنى قوله:) ولم يُقل (. وهو كقول البحتري:
في غايةٍ طلُبت وقصر دُونها ... من رامها فكأنها ما تُطلبُ
اي لما كان الطلب علةً للإدراك؛ ثم لم تك هذه الغاية مُدركة، كان الطلب كأن لم يكن.
وتقدير البيت: الفاعل لفعل الذي لم يُفعل؛ والقائل القول الذي لم يقل؛ فحذف) الذي (ومثله كثير كثير؛ أنشد سيبويه:
لو قُلت ما في قومها لم تيثمِ ... يفضلُها في حسبٍ وميسمِ
) هو الشجاعُ يعدُ البخل من جُبنٍ ... وهو الجونادُ يعدُ الجبُن من بخلِ (
1 / 58