اي ركبت فُرسانك خيلهم إلى عدوهم وطوَوا عليها المراحل ليلًا ونهارًا فما نزلوا عنها حتى هجمت بهم على مطلوبهم. فكان نظرهُن إلى من طلبته من العدو قبل نظرهن إلى نازلٍ عنهن. اي لو ينزل أحدٌ منهم عنها فتنظر إليه. وانما أدركوا ما طلبوه ثم كان النزول بعد ذلك.
) فأقبلن ينحزن قُدامهُ ... نوافر كالنحل والعاسلِ (
ينحزن: ينفعلن ويتحوزن فقبلت الواو ألفا لانفتاح ما قبلها، فالتقى بذلك ساكنان فحذف الاول لا لتقائهما. اي كانت خيلُ عدوك أمامك وهو في آخرها من خوفك. وهي بينك وبينه نوافر. فاقتضى البيت ثلاث تشبيهات اختصرها بأن ردها إلى اثنين وشرح ذلك أنه شبه الممدوح بالعاسل وعدوه بالعسل المطلوب للشور وصحابه بالنحل التي يُنفرها العاسلُ ليصل إلى العسل المطلوب. وعنى بالخيل هنا: أصحاب الخيل. واكتفى من تشبيهه عدوه بالعسل لفظًا لأن كلامه يقتضي ذلك وهو من حُسن دليل الخطاب؛ لانه إذا كان عاسلٌ ونحل فهناك عسلٌ لا محالة، وقوله:) ينحزن قدامه (: اي ينحاز بعضهم إلى بعض.
) وَمَا بين كاذَتَى المُسْتغيرِ ... كما بين كاذتى البائلِ (
الكاَذة: لحم الفخذ ألفُه منقبلة عن واو. قالوا ثوب مكُوذ: بلغ الكاذة. والمستغير: الفرسُ المُغير، بناه على استفعل لأنه طلبٌ، والطلب يأتي على استفعل كثيرًاعليه بني سيبويه باب استفعل.
يقول: قد تفؤج ما بين أفخاذها.
) فُلقين كُل رُدينيةٍ ... ومصبوحةٍ لبن الشائلِ (
يقول: إن خيل سيف الدولة لقيت مع الخارجي بعد جهدها أشد الأعراب الذين يغذُون الخيل الكرام التي تُثر باللبن عند قلتة. ولقيت جيشًا) لخارجي من الأعراب يقاتل (على ناقة قد تيقن استهلاك أصحابه دونه. فأعرض عن ركوب الخيل ووصفه بحاله في كذبه ودعواه.
أنما الشائل بغير هاء: اللاقح، وبالهاء: التي خف لبنها. والخيل أنما تغذى بلبن لشائلة لأن اللبن إذا خف مرأ ونجع وانما اراد هذا الشاعر الشائلة فحذف الهاء للضرورة. والمصُبوحة: المسقيةُ الصبوح وهو ما اصطُبح بالغداة حارًا. اي كل قناة ردُينية وفرس ملبونةٍ وهي أقوى الخيول. وأنشد سيبويه:
لايحمل الفارس إلا الملبُون ... المخص من أمامه ومن دُونْ
) وطعنٍ يجمعُ شُذانهُمْ ... كما اجتمعت دٍرةُ الحافلُ (
) شُذلنهم (: من شذ منهم. والدرة: اللبن يجتمع في الضرع.
) والحافلُ (: إما أن يكون جُملة فيعني به الناقة فيكون من باب ناقة بازل اي من المؤنث الذي لا هاء فيه. وإما أن يكون جزءا فيعني به الضرع وهو عندي أجود لأنه موضع تحفل اللبن. ومعنى البيت: أنه عنى طعنت كل طعنة عظيمة تجمعُ المتفرقين على صاحبها، تعجبًا من سعتها، كما تُجمع الدرةُ في الضرع المُحفل كقول الشاعر:
تركتُ بني الهُجيمْ لهم دوارُ ... إذا تمضي جماعتهم تعودُ
والدرة في الدر كالحيلة في الحلي. أعنى أن هاء التأنيث تعاقب الفتحة ومثله برك وبركة وهي الصدر. وحب وحبة وهي بذور الصحراء.
) وأنبت منهُم ربيع السباع ... فأثنت بإحسانك الشاملِ (
أقام الأشلاء للسباع، مُقام الربيع للماشية. والاول) ربيع للسباع (إنما هو على المثل كما قيل: فلان يرعى في لحوم الناس. يقول ألقيت لها الأشلاء فأخصبت كما تخصب السوام في الربيع. ونحوه قوله:
وأصبحت بقُرى هنريط جائلة ... ترعى الظُّبا في خصيب نبتُه اللحمُ
يعني الرءوس جعلها خصيبة إشعارًا بأن أصحابها شُبان. وقوله:) فأثنت - بإحسانك الشامل (: مبالغةٌ وإفراط ومذهب شعري غير حقيقي. ولكن يقول: إن السباع قد اعتادت ذلك منهم حتى عقلت أنه من لدُنه فشكرتْ لذلك.
) وكم لك من خبرٍ شائعٍ ... لهُ شيةُ الأبلق الجائل (
اي خبرك مشهورٌ ظاهر شُهرته كشهرة الأبلق الجائل. وذلك أن الأبلق مشهورٌ في موضعه. فإذا جال كان أشهر له، لأنه يُعرف في مواضع. وكذلك خبرك سائرٌ مشهور في كل موضع.
وله ايضا:
) ولهُ ... وإن وهب الملوك مواهبٌ درُّ الملولكِ لدرها أغبارُ (
1 / 51