ومن الحسن أن تكون الرواية) يزحف (على لفظ التذكير؛ توطئة لقوله: صوارمُه، فيكون ضربًا من الإشعار. وجعلها تزحف لكثرة الجيش، كما قالوا: كتيبةٌ جرارة، أي لا تقُدر على السير إلا رويدًا؛ لكثرتها.
) سلكتُ صُروف الدهر حتى لقيتُه ... على ظهر عزمٍ مُؤيداتٍ قوائمُه (
الهاء في لقيتُه: عائدة على سيف الدولة. وعلى: متعلقة بسلكتُ. . .
فالمعنى: إن عزمه قوى مؤيد؛ فاستعار انه ركبه ويسلك صروف الدهر عليه.
وله ايضا:
) أأطرحُ المجدَ عن كتفِي وأطلُبُه ... وأترُك الغيث في غمدي وأنتجعُ (
كنى بالمجد عن الرمح الذي يحُمل على الكتف مُعتقلًا، لما كان المجد يُكتسب به. فهذا من باب الاستغاء عن ذكر السبب بذكر المُسبب. وإن شئت قلت: جعل الرمح هو المجد مبالغة. كقولهم: ما زيد إلا أكل وشُرب: وإن شئت: كان الحذف؛) أي ذا المجد (وهو الرمح ايضا، لإدراك المجد به.) وأطلبه (: أي أطلبُ أثرًا بعد عين. وأترك الغيث في غمدي: يعني السف الذي هو سبب خصب المعيشة. وليس الغيثُ هنا ذات السيف. وانما عنى الغيث. وإن شئت قلت: جَعَله الغيث مبالغة، إذ كان سببًا له، ثم قال وأطلب الرزق على غير هذا الوجه الذي لا يكْرُم عيش ولا يُصب إلا به، كقول النبي ﵇:) الخير في السيف والخير مع السيف (.
زأصل الانتجاع: طلب الكلأ. ثم صار كل طلب: نُجعة. وحسن لفظ الانتجاع لتقدم ذكر الغيث.
) ذم الدُمسْتُق عينيه وقد طلعت ... سُودُ الغمام فظنوا أنها قزعُ (
أي غرت الدمستف عيناهُ، ثم توهم جيش سيف الدولة قليلًا وهو كثير، فأقدم اغترارًا بما خيلته اليه عينهُ، فذم عينيه ولا مهمُا اذ لم تخبراه باليقين، فَتُرياهُ الجيش على ما هو به من الكثرة، لانه لو صدَقتاهُ لم يُقدم والقَزَعُ: قطع السحاب المفترقة. يقول: ظن الجيش قليلا كقزَع السحاب، وهو كسود الغمام، وانما شبهه بالغمام السُّود، لانه أهول منظرًا؛ ولأن فيه صواعق بلا غيثٍ، فهي أشبه بصفة الجيوش من جهة العاقبة واللون، ألا تراهم قالوا: كتيبة جأواء وخضراء وخصيف. وكل ذلك إلى السواد.
فتلخيص البيت: ذم الدمستق عينيه حين أوهمتاه الجيش قليلًا وهو كثير، فأقدم، وكان أذهب في الصنعة لو اتزن دون زحافٍ - أن يقول:) فظن (، بلفظ الإفراد لانه إخبارٌ عن الدُّمستق، ولكنه حمل الضمير عليه وعلى من حوله.
) كأنما تتلقاهُم لتسلُكهُمْ ... فالطعنُ يفتحُ في الأجوافِ ما تسعُ (
أي كأن خيله تريد سُلُوك عداه، كما يسلكُ السهمُ الرمية ثم يمرقُ، فالطعن يفتح في أجوافهم ماتسع الخيل، إشادة بالطعن، وتشيعًا له. كقول قيس بن الخطيم:
سلكتُ بها كفى فأنهرتُ فتقها ... يرى قائم من دُوتها ماوراءها
وأراد ماتسعُ الخيل؛ فحذف المفعول، لتقدم ذكر الخيل.
) دُون السهام ودُون الفرِّ طافحةً ... على نفوسهم المُقورة المُزُعُ (
أي قد تغشتهم الخيلُ حتى صارت أقرب إليهم من السهام التي فيهم، مبالغة وليس بحقيقة، لأن السهام التي فيهم، أقربُ اليهم من الخيل التي عليهم. و) دون الفرِّ (: أي أن الخيل تمنعهم الفرار. وقال:) على نفوسهم (، ولم يقل على أبدانهم؛ لأن نفوسهم قد فاضت عن أبدانهم، فكان الخيل تسبق السهام وتفوت حتى تغنى عن الفر. ويروى) دُون السهام ودون القر (فيكون المُقْورةُ على هذا الدروع التي قد أخلقها التداول؛ حتى عادت كالمقورة من الخيل وهي الضامرة - المتجردة و) المُزُع (على هذا: التي قد تمزقت أشلاؤها أي قد تمزقت كما يتمزعُ اللحم أي يتبدد. فيكون المعنى أنه لا تقيهم الكُسى حرًا ولا بردًا؛ ولكن هذه الدروع المقورة. والرواية الاولى أصح.
) إذا دعا العلجُ علجًا حال بينهُما ... أظمى تُفارقُ منهُ أختها الظلعُ (
1 / 48