رمُح أظمى: أسمر؛ وقيل: ظمآن إلى الدم؛ والاول أولى؛ إذ لو كان من الظمأ لكان حريًا أن يُسمع مهموزًا، ولم أسمعه كذلك. إلا أن مثل هذا الإبدال قد يجوز في الضرورة كقوله:) لاَ هناكِ المَرْتعُ (ولا حاجة بنا إلى توجيه ذلك هنا، اذ المشهور في كتب اللغة أن الأظمى: الأسمر. يقول: إذذا تداعى العلجان لتناذر أو تشاور أو تناحُر، حال بينهما رُمح أظمى يدخل بين الضلعين؛ فيفرج بينهما حتى يتفرقا. و) منه (: أي من أجله. وحسن ذلك المفارقة هنا لقوله:) حال بينهما (. وكان من حُسن الصنعة لو اتزن له - أن يقول: إذا دعا العلج صاحبه ليوازي به قوله:) أختها الضلعُ (؛ لأن الأخوة والصحبة من باب المضاف ولكنه ذلك اراد؛ كأنه قال: إذا دعا العلج صاحبه أو أخاه.
) كم من حُشاشة بطريقٍ تضمنها ... للباتراتِ أمينٌ مالهُ ورعُ (
الحُشاشة: النفس. وقيل، بقيتُها. والباتراتُ: السيوف القاطعة. والأمينُ هنا: القيد ونفى الورع عنه إغرابًا بأمين لا ورع له. وانما سماه أمينًا لحفظه على السيف ما استودعته إياه من الأسارى؛ حتى يردهم إليه عند القتل فهو أمين لذلك. وليس له ورعٌ. لأن الورع إنما يكون عن قصد، والقصد إنما يكون لذى العقل. وكذلك أمانته غير حقيقة. ولو كان أمينًا عاقلًا لكان ورعًا إذا لا أمانة إلا بورع.
) يُقاتلُ الخطو عنهُ حين يطُلبهُ ... ويطرُدُ النوم عنهُ حين يضطجعُ (
أي تقصر خُطا هذا الأسير بضيق القيد، إذا اراد أن يخطو. ويطرد النوم عنه ترنم حلقه كقول أبى نواس:
إذا قام غنتهْ على الساق حلقة ... لها خطوُهُ عند القيام فصير
والمقاتلة والطراد في هذا البيت مستعاران.
) قل للدُّمُستقِ إن المسلمين لكُم ... خانُو الأمير فجازاهُم بما صنعُوا (
خيانهم اياه: خلافُهم له؛ بسعيهم إلى النهب وأسلاب العدُو المفزوعين. وإسلامهُ إياهم له: تركُه الطلب بثأرهم؛ أو رضاه لهم ماحل بهم.
) وجدنموُهم نيامًا في دمائكُكُ ... كأن قتلاكُمُ إياهم فجعوا (
اي خافوكُم؛ فألقوا نفوسهم في دماء قتلاكُم: لتحسبوهم منهم، فتتجافوا عنهم؛ وكأنهم هم المجُوعون بقتلاكم، يُلقون أنفسهم عليها كإلقاء المفجوع نفسه على القتيل تأسفًا. وقيل: كان المسلمون يأتون قتلى الروم يتخللونهم؛ فينظرون من به رمقٌ فيقتلونه، فبينما أكب عليهم المشركون فقتلوهم.
) تشُقُّكُم بفتاها كُل سلهبةٍ ... والضربُ يأخُذُ منكُم فوق ما يدعُ (
) بفتاها (: اي بفارسها. ذهب في لفظ الفتى إلى الرفع من شأن الفارس؛ كقولهم:) أنت الفتى كلُّ الفتى (لا يُذهب به إلى فتاء السن: لكنه كقولك: انت الرجلُ. تمدحه بالصبر والثبات والنجدة، لا تعني به الرجولة التي هي الذكورية) والضربُ يأخذُ منكم فوق ما يدعُ (. ذهب قوم إلى انه عنى أن القتلى أكثر من الناجين. وهو لعمري قويلٌ والذي عندي انه لم يعين بذلك الكمَّ؛ وانام؛ وانما عنى أن الضرب يأخذ النفوس، ويدع الأبدان؛ والنفس فوق الجسم في لطف الجوهر، وشرف العنصر. فهذا معنى قوله: ما يَدع. لا الكميه التي ذهب اليها أولًا.
وله ايضا:
) يردُّ يدًا عن ثوبها وهو قاردٌ ... ويعصي الهوى في طيفها وهو راقدُ (
) يرد يدا عن ثوبها (: كناية عن العفاف. والثوب هنا: يجوز أن يعني اللباس؛ وان يعني بعض طوائف جسمها؛ كقول الآخر:
خرَّقوا جيبَ فتاتهمُ ... لم يُبلوا حُرمة الرجلهْ
قيل: يعني بالجيب القُبل. وقوله) وهو قادر (: اي متمكن بها، لا يتقي رقيبًا لانه ذلك في النوم وأثبت لنفسه قدرة في نومه لانه قد تتهيأ للنائم أفعال اليقِظ وإن كانت غير مقصودة، وقد قيل: إن قوله) يريد يدا عن ثوبها وهو قادر (: أن هذا إنما هو في اليقظة. وانما اراد وهو يقظان فلم يتزن له، فكنى بالقدرة عن اليقظة لأن اليقظان أملك لذاته من النائم مع أن قادرًا مقلوب لفظ راقد. فأناب المقلوب في المقابلة مناب الضد الذي هو يقظان.) ويعصي الهوى وهو راقد (: اي انه يملك نفسه عن شهوته في حال النوم. وتلك حال لا يغلب فيه عقلُ شهوةً، لأن التحصيل حينئذ عازب؛ فهو يقرُب بتمالكه عن محبوبه في الحال الرٌّقاد.
وجملة معنى البيت: انه اعتاد العفاف في يقظته؛ كقوله هو:
وترى المروة والفتوةَ والأبوَّ ... ةَ في كُل مليحةِ ضراتها
1 / 49