أي كمال العيش، يعني جميع طبقاته، فأولُهن الصبا: وهو من النشوء إلى الشباب، وعقبيُه الشباب، وبعده غائب لون العارضين، وهو الشيب مالم يقدم، فاذا قدم فقد كمل العيش، وما بعد الكمال إلا النقص. والهاء في) قادمه (راجع إلى اللون، ولا يكون راجعًا إلى اللون، ولا يكون راجعًا إلى) غائب (، فيكون من إضافة الشيء إلى نفسه، وليس كذلك إذا كان مضافًا إلى اللون، لأن لون جنس انقسم إلى نوعين: غائب وقادم؛ والنوع غير الجنس، فكأنه قال: وتكملة العيش الصبا وعقيبُه، سوادُ الشعر وبياصُه، لانه إذا كان البياض غالبًا، فالسواد حاضرز
) وأحسنُ من ماء الشبيبة كُله ... حيا بارقٍِ في فازة أنا شائمهْ (
قوله:) في فازة (يعني فازة ديباج ضربت لسيف الدولة، والحيا هنا: الخصب، ويعني به سيف الدولة. والشائم: الناظر.
) إذا ضَرَبته اليرحُ ماج كأنما ... تجُول مذا كيه وتدأى ضراغمُهْ (
أي هذه الفازة مُصورةٌ بصورة خيل وأسد، فاذا مرت به الريح حركت الفازة، فتحركت هذه الصُور بحركاتها، فتُخيل أن مذاكيها، وهي الخيل المصورة فيها تجول، وان ضراغمها تدأى: أي تمرا سريعًا. ومن روى) تأى (: أي تهمس المشى لتختل. والضراغم: الأسد. واحدها ضِرْغم وضِرغام وضِراغمة. وان يكون في البيت جمع ضِرغم أولى، ىنه إن كان جمع ضِرغام أو ضرغامة، لزم) ضراغيم (لأن الألف إذا كانت رابعة في الواحد، صارت ياء في الجميع ثابتة، إلا أن يُضطر شاعر، كما أنشد سيبويه: والبكرات الفُسج العطامسا وانما حكمه العطاميس، فحذف للضرورة، فإن يكن ضراغمه جمع ضرغم وهي لغة مشهورة حكاها ابن دُوَريد وغيره، أوجه من أن يُوجه على الضرورة:
) فَقَد مل ضوء الصُبح مما تُغيرُهُ ... وَمل سوادُ الليل مما تُزاحمُه (
) ومل القنا مما تدُقٌ صدوره ... ومل حديدُ الهند مما تلاطمُه (
ذكر طاهر بن الحسين أن) تُغيرُه (في البيت من الغيرة، يريد أن الصبح يغار من كثرة ما تفعل فيه، من قبله إلى ضده، من شدة القتال، وكذلك الليل أيضا يفار من ذلك، لانه يُصيره يومًا، لإظهاره فيه السيوف والرماح، من ضيائها.
قال ابو الفتح بن جنى: اراد تُغير فيه، فحذف حرف الجر اختصاراُ.
وقال في) تزاحمه (: أي تسرى فيه، فاستعمل) تزاحمه (في موضعها.
والهاء في) تزاحمه (مفعول به، وليست بمعنى) تزاحم (فيه. وقال الوحيدُ: ليس هذا اراد بقوله) تغيره (وإنما اراد أنك تسير في بياض الحديد، من البيض والروع، فكأن الصبح يغار عليه إذا رأى ضياء غيره قد ألبس به.
يزاحم الليل الذي هو الظلمة. وقوله:) ومل حديدُ الهند مما تُلاطمه (أي تلاطمه بأمثاله.
) قبائعهُا تحت المرافق هيبةً ... وأنفذُ مما في الجُفُون عزائمه (
يريد انهم يسترون سيوفهم ويخفونها هيبة ومخافة من سيف الدولة. وعزائمهُ أنفذُ من شفار سيوفهم.
) سحابٌ من العقبان يزحفُ تحتها ... سحابٌ إذا استسقت سقتها صوارمُه (
ويروى:) فوقها (، فيكون قوله:) العقبان (في أول البيت كناية عن الخيل، كما قال:
تظُنُّ فراخُ الفُتخ أنك زرتها ... بأماتها وهي العتاقُ الصلادمُ
السحابُ: جمع سحابة. وكل جمع ينقصُ عن واحده بالهاء، ذلك تذكيره وتأنيثه، فأنث في قوله) تحتها (، وذكر في قوله: صوارمه، أخذًا بالأمرين. ولا يمكنه هنا غير ذلك، لمكان الوزن، وأن هذا الشعر موصولٌ، ليس له خروج، أعنى أنه ليس بعد هائه حرف لين. وقيل تأنيث هذا النوع على الجمع، وتذكيره على الجنس. أي قد حُشرت العقبان في أفق جيشه، وثقةً منها بما يُقتلون، فيكون رزقًا لهذه العقبان، كقول الأفوه:
وترى الطيرَ على آثارها ... رأي عينٍ ثقة أن ستُمارُ
فالعقبان على هذا الجيش كالسحاب، لتكاثُفها واشتباكها ولونها والجيش تحت هذا السحاب، الذي هو من العقبان، سحابٌ آخر. فإذا الذي هو الجيش، بأن تضع لها القتلى فتنزل عليها، فتخصُب. وجعل الأسفل يسقى الأعلى؛ إغرابًا، لانه بعكس ما جرت عليه العادة، من أن الاعلى هو الذي يسقي الاسفل.
وقال:) إذا استسقت (وانما العقبان وسائر سباع الطير مستطعمةٌ لا مُسْتَسْقِيةٌ؛ لانه ذكر السحاب؛ والسحابُ مُسقٍ. كقول أبى ذُؤيب في صفة السحاب: تروت بماء البحر ثم ترفعت
1 / 47