) يا أخت مُعتنق الفوارسِ في الوغى ... لأخُوكِ ثم أرقُ منكِ وأرحمُ (
) يرنُو إليك مع العفاف وَعندهُ ... أن المحبوس تُصيبُ فيما تحكمُ (
قيل: يخاطب محبوبته. جعلها أختًا تعففًا عنها، وتنزهًا عن الفجور بها.) لأخوكِ (: يعني نفسه.) ثم (: أي في موضع القتال. و) اعتناق الفوارس (أرق منك في الهولا وأرحم، ذلك على قساوته في الحرب، برنو إليك مع العفاف. . . البيت.
أي أن أخاك وهو يعني نفسه ينظر إليك فيعجبه حسنُك، إلا أنه يعفُّ تشرفًا لا تدينًا، وعنده مع عفته، أن المجوس تُصيب في حكمها الذي هو نكاح الأخوات.
إن شئت قلت: إنه يتعزل بأخت رجل شجاع، فيقول لها: أخوك على شدته وبسالته، أرقُ منك وأرحم، ثم أخبر عنه أنه يرنو إليها مع العفاف الذي تُوجبه منافرة الطبيعة لنكاح الأخوات، فيذُم نفسه على ذلك العفاف الطبيعي. وعنده أن المجوس تصيب في نكاح الأخوات.
وقد قيل في هين البيتين قول لا ينبغي أن يُلتفت إليه لسُخفه.
وقولُه المجوس: اراد المجوسيين، فلذلك أجل عليه الألف واللام. ولو عنى القبيلة لقال إن مجُوس كقوله:
أحار أريك برقًا هب وهنًا ... كنَار مجَوسَ تَسْتَعِر اسْتِعارَا
) راعتك رائعةُ البياض بعارضي ... ولو آنها الأولى لراع الأسْحمُ (
الرائعة: اول ما يظهر من الشيب. والعرب تصف المرعى بالسواد، فاذا حلت الشيبةُ جعلوها) راعية (لذهاب السواد، كما تُذهب الراعيةُ من الماشية حضرة المرعى.
) ولو آنها الاولى لراع الأسحم (: أي لو تقدم البياض قبل السواد، ثم أعقبه السواد لكان اروع؛ لأن السواد أروع من البياض وأهول.
) والظُّلمُ من شيم النُّفُوسِ فإن تجد ... ذا عِفةٍ فلعلة لا يظلمُ (
المعنى: والظلم من تأليف خلق النفوس. ومعنى الظلم: وضع الشيء في غير موضعه. وتأليف النفوس من اربعة أشياء متنافرة: من حار رطب، وبارد رطب، وحار يابس، وبارد يابس. وهي ما اعتدلت صلح الجسم، واذا اختلفت فسد الجسم، فهل يوجد؟
) وتراه أصغر ما تراهُ ناطقًا ... ويكون أكذب ما يكونُ ويُقسمُ (
أي يعظم ساكنًا بهيبته، فيغُرُّ من رآه، فاذا تكلم صغُر من لكنته، كقوله:
وكائن ترى من صامتٍ لك مُعجبٍ ... زيادتهُ أو نقصُه في التكلمِ
) ويكون أكذب ما يكون ويُقسم (: أي إذا تناهى في الكذب أقسم عليه أنه حق له.
وله ايضا:
) كُنْ لُجنة أيها السماح فقد ... آمنه سيْفُه من الغرقِ (
الُّلجة مهلكه للأرواح، والسماح مهلكة للمال. فيقول: أيها السماح اعظُم، حتى تكون لُجة مُهلكة لما له، فإن سيفه يحلف عليه بالإغارة والنُهبة جميع ما تتلفه أنت. ولما جعل السماح لجة استعار اسم الغرَق للفقر. ونظير هذا قول الشاعر:
ومن يفتقر منا يعشْ بُسامهِ ... ومن يَفتقِرْ من سائر الناس يسألِ.
وقال: كن لُجة، ولم يقل: كن بحرًا، لأن اللجة اهول ما في البحر ألا ترى أن العرب تسنيها) العَوْطب (، لما يحدث فيها من العطب أو يُخاف، ولم يُسَمُّوا جملة البحر عَوْطَبا.
وله ايضا:
) أنا بالوُشاة إذا ذكرتُك أشبهُ ... تأتي الندى ويُذاعُ عنك فتكرهُ (
الكريم يكره ذكر إحسانه إلى مُؤمليه، حذار أن يُظنوا ذكر ذاك اعتدادًا به عليهم ومنا، فكأن من يذكره عنه؛ يُشيع عنه ما يكره إشاعته؛ وينمُّ به. والقطعة رائية؛ ولا تكون هائية؛ لأن بعد هذا البيت بيتًا آخرُه) نَصْرهُ (؛ فهذه هاء إضمار؛ متحركٌ ما قبلها؛ وهاء الإضمار المتحرك ما قبلها؛ لا تكون رويا.
فإن قال قائل: قد قال في المصراع الاول من هذا الشعر) أنا بالوشاة إذا ذكرتك أشبهُ (فقفى بالهاء. قُلتَ: لم يُقف بهاء. وليس الشعر بمصرع، وإنما هو في البُعد من التصريع، بمنزلته لو قال:) إذا ذكرتك أمثلُ (مع قوله تكره. فهذا احتيالُ لطفه له أهل بغداد.
والذي عندي أن أبا الطيب كان جاهلا بصناعة القوافي؛ فانها مهنة دقيقة يعجز عنها الشعراء؛ ويفلطون فيها. نعم؛ وقلَّ من يعرفها من النويين إلا الخليل وأبا الحسن إماميها وقليلًا بعدهما.
وله ايضا:
) ومن خُلقتْ عيناك بين جُفُونهِ ... أصابَ الحدور السَّهل في المرتقى الصعبِ (
1 / 45