أي حفت به الأسنة، حتى صارت له كالنطاق، فهمهُ حينئذ في قتل ذوي الأسنة؛ لهوانها عليه، وحقارتها لديه.
وقوله:) وأطرافها كالنطاق (: جملة في موضع الحال، يستغرب ذلك وهذه حال. وشبههه بعض النقاد بقول أبى تمام:
إن الأسود أسود الغاب همتُها ... يوم الكريهة في المسلوب لا السلبِ
وليس مثله، لأن أبا تمام نفي عن الممدوح حُب سلب وأبو الطيب ذكر أن أبا العشائر لا يعبأ بالأسنة المحدقه به لشجاعته، ولم يذكر حُب سلب ولا ضده، وقال:) وأطرافها (ولم يقل) هي (، لأن الأسنة لم تخالط لحمه بعدُ، وإنما هي على ظاهر جسمه، فأطرافها هي المحدقة به لا جُملتها.
) جاعلٍ درعه منيتهُ إن ... لم يكن دُونها من العارِ وَاقِ (
أي يجعل درعه منيته التي تقيه العار، إذا لم يجد غير الموت واقيًا. وكان أظهر من ذلك - لو اتزن له - أن يقول: جاعل منيته درعه.
) والاسى قبل فُرقةِ الرُّوح عجزٌ ... والاسى لا يكُون بعد الفراق (
يُسفه رأي من شح بنفسه وجبُن. فيقول: لامعنى للأسى قبل فرقة الروح، لانه في حد الوجود، فإذا حل به العدمُ وأزال الوجود فلا أسى هنالك؛ فمن الحُكم ألا يكون أسى. وقيل: الأسى لا يكون بعد الفراقن وإنما هو قبل الفُرقة، فعلى هذا يكون صدر البيت تسفيهًا لرأي المشفق على الذات، وعجزهُ اعتذار له.
) ليس قولي في شمسِ فِعلك ... كالشمس ولكن ي الشمس كالإشراق (
جعل لفعل شمسًا: استعارة لحسن أفعاله وإنارتها. فيقول: ليس ثنائي عليك في نوع الثناء؛ مثل فعلك في نوع الفعل، ولكن فعلك شمس وثنائي إشراقها، أي أن ثنائي ينشُرها فعلا ويُبينه كما يُظهر الإشراقُ جوهر الشمس وكنى عن فعله بالشمس، وعن ثناثه بالإشراقُ، لأن الشمس أشرقُ من الإشراق؛ من حيث كانت جوهرًا والإشراقُ عرضٌ فيها.
وله ايضا:
) ولو لم أخف غير أعدائه ... عليه لبشرتُه بالخُلُود (
غير أعدائه: الحمام البيعي. فيقول: لو أخف عليه الموت إلا من قبل أعدائه لتيقنت أنه خالد؛ لقصور عداهُ عنه. وهو نحو قول جرير:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا ... أبشر بطول سلامة يامربعُ
إلا أن قول أبى الطيب أبلغ جريرًا بشر مربعا بطول السلامة، ولم يفصح بالخلود. وأبو الطيب اراد أن يبشره بالخلود.
وله ايضا:
) قطعت ذياك الخُمار بسكرة ... وأدرتْ من خمر الفراق كُئوسا (
الخُمار: أخف من السكر. فيقول: كنت أشكو هجرك مع القرب، فأتبعني بينك، وهو أشد من الهجر الذي كان مع دُنو الدار، وقرب المزار. وكثيرًا ما يستعمل هذا النحو، أعنى أنه يستصغر العظائم، بإضافتها إلى ما هو أعظم منها، كقوله: وقد كنتُ قبل الموت أستعظم النوى فقد صارت الصُّغرى التي كانت العُظمى وكقوله:
ولم يُسلها الا المنايا وإنما ... أجلُ من السُّقم الذي أذهب السُّقما
) وَبه يُضَمن على البرية لاَبِهاَ ... وعليه منها لاَعَلِيْه يُوسى (
أي يضن على البرية أن يُعد منها وإن كان من نوعها، لانه أشرف منها جوهرًا وفعلا. فكأنه أنما يعُد في نوع آخر غير نوع الإنسان، ولا يُنفس بالبرية عليه، لأن خطره أنفس من خطرها، فتقديره: لابها عليه.) فحذف عليه (للعلم بها، وكذلك يُحزن عليه منها: أي يُحزن على أن يُعد منها، فُيبخس حقه، ولا يُحزن عليها من كونه معدودًا فيها بالنوعية، لأنها دونه في القدر والخطر.
وإن شئت قلت: إنه إنما يُحزن عليه من بينهم إذا هلك، لا عليها إذا هلكت، لعجز غنائها عن غنائه.
فمن على القول الاول للعلة أي من أجلها، وعلى القول الثاني بمعنى من بينها.
وأراد:) يُءسى (؛ فأبدل إبدالًا صحيحًا للردف، في قول أبى الحسن وهو تخفيفٌ قياسي في قول أبى عثمان؛ لانه يرى الردف يالتخفيف القياسي معامل للفظ.
وله ايضا:
) مَرَتْكَ ابنَ إبراهيم صافيةُ الخمرِ ... فَهُنئتها من شاربٍ مُسكرِ السُّكْرِ (
أي أنت سكران صاحياُ بأريحية خلتك؛ فإذا شربت الخمر أسكرتها بفضل سكر أريحتك. وقال مُسكر السكرِ ولم يقل مُسكر الخمر لأن إسكاره السكر أبلغ من إسكاره الخمر. وهو أذهب في الشعر وأغرب؛ لأن العرض لا يحملُ عرضًا؛ فتفهمه. وقال: مرتك؛ وإنما هو مرأتك؛ فأبدل إبدالًا صحيحًا، كقوله:) فارعى فزارة لا هناك المرتعُ (.
وله ايضا:
1 / 44