ونظير البيت الاول قول الأسود، وهو نُصيب:
فعاجُوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... ولو سكتُوا أثنت عليك الحقائبُ
وقال قوم لم يكنك يا أبا العشائر، فقال:
) قالُوا ألم تكنه فقُلْتُ لهُم ... ذلك عى إذا وَصَفْنَاه (
قالوا) ألم تكنه (: يُخرج ظاهره على أنه كناه، لأنك إذا قلت مُنكرًا: الم تقم؟ فمعناه: قد فعلت القيام. وإذا قلت أقُمْت، لم يكن فيه غثبات إنه قام، وإنما هو إنكار امر القيام. والمتنبي لم يُكن أبا العشائر في القطعة التي قبل هذه. وإنما قال له هؤلاء المطالبون المتتبعون لزلله:) ألم تَكْنه (؟ وهم مستفهمون لا منكرون، فلم يشعر هو لمكرهم، فاعترف لهم، فقال: لا. ثم أعلم ما حاوله هؤلاء الحاسدُون منه، فقال ها الشعر معتذرًا وحكى كا واجهُوه من لفظ الاستفهام.
) لايتوقى أبُو العَشَائرِ من ... لَبْسِ معاني الورى بمعناهُ (
أي إن صفاته مُغنية عن تسميته وتكنيته، لانه منفرد يها لا يُشرك) فيها (اذ هي صفات لا يُحلى بها غيره. فصارت كالاسم، بل هي أشد اختصاصًا به من الاسم والكنية،، لأن حُسنًا وأبا العشائر كثير. والصفاتُ التي لأبى العشائر ها، لا تلحق إلا إياه. فصارت لاته كالحد للنوع المحدود. وللك سمي تكنيته مع وصفه إياه عيا.
وله ايضا:
) كيف ترثى التي ترى كُل جفنٍ ... راءها غير جفنها غير راقي (
أي لا يسعها الرثاء للباكين، لانه يبكي من هجرها واحد، بل كل واحد وإنما كانت ترثى لو انفرد باك بالبكاء، فأما جميع الباكين من هجرها فلا يسعهم رثايتها لهم. وإن شئت قلت: إن كل جفن رآها بكى من هجرها إلا جفنها وحدها، فانه لا يبكى، لأنها لا تهجره. ويُقوى ذلك بعد هذا:
) أنتِ مِنا فتنت نفسك لكن ... كِ عُوفيتِ من ضنى واشتياق (
فهي لا ترثى لذلك من غيرها؛ لأنها مُعفاة منه. وتقدير البيت: كيف ترثى التي ترى كل جفن رآها غير راقٍ إلا جفنها) فغير جفنها (استثناء) وغير راق (حال. وإذا رددت غير راق إلى الاسم المحصل فكأنك قلت: كيف ترثى التي ترى كل جفن رآها باكيًا، لأن) غير راق (معناه: باك كما أنك إذا قلت: زيد غير عالم. فغير عالم كقولك: جاهل واراد: راقئا، فأبدل إبدالًا صحيحًا، للوصل.
) لو عَدَا عَنْك غَيْرَ هَجْرِك بُعد ... لأرَار الرسيمُ مُخ المناقى (
عدا: صرف وارارِ: ذاد. والرسيم: ضرب من السير. والمناقى: الإبل السمان. أي لو كان المانعُ عنك بعدًا لا هجرًا، لسرنا دأبًا حتى تُهزل إبلنا، فيذوب مُخها، فاكتفى بذكر المسُبب عن ذكر السبب. ومثله قوله:
أبعدُ نأى المليحة البخلُ ... في البُعد مالا تكلفُ الإبلُ
) وَلَسِرْنا وَلَوْ وَصَلْنَا عَلَيْها ... مِثْلَ أنفَاسِنَا عَلَى الأرْمَقِ (
الأرماق: البقايا. أي سرنا إليك على هذه الإبل التي كانت تعود أرماقا ونحن كالأنفاس عليها خفة، لما لحقنا من النحول: كقوله: برتنى السُّرى برى المُدى فرددننيِ أخف على المركُوب من نفسي جرني) فمثل أنفاسنا (: حال من الضمير الذي في وصلنا) وعلى الأرماق (ظرف متعلق بأنفاسنا. وإن شئت قلت: ولو وصلنا على هذه الإبل فقد استكرهت حملنا فضعقت عنه لما لحقها من المشقة، كما استكرت أرماقنا حمل أنفاسنا لذلك.
) كاثرت نائل الأمير ممن الما ... لِ بما نوَّلت من الإيراق (
الإيراق: التجنيب والمنع. يقول: كاثرت عطاء الأمير بمنعها. يصفها بكثرة ذلك منها. فكأنه قال: عارضت جُودهُ ببخلها، ليكون أبعث على حبها كقول العرب:) تمنعى أشهى لك (. وقد يكون أنه وصفها بالعفة، كما وصف الأمير بالكرم؛ أي أن عفتها في نوع العفة، ككرم الأمير في نو الكرم.
) يابني الحارث بن لقمان لاتَع ... دمكُمُ في الوغى متون العتان (
في الوغى اختصاص حسن. يصفهم بالشجاعة إذ لا يُدمنُون ركوب الخيل أبدا لإراضتها وسياستها.
) طاعنُ الطعنة التي تطعنُ الفي ... لقَ بالذُعر والدم المهراق (
الفيلق: الكتيبةُ. والذعر: الفزع. أي أنها طعنة تملأ صدور الكتيبة كلها ذُعرًا، وإن لم تكن تقع الطعنةُ إلا بواحد. فكأنه بذلك قد طعن الفيلق كله، فيفرُّون.
) همُّهُ في ذوى الأسنة لا في ... ها وأطرافُها له كالنطاقِ (
1 / 43