وقوله:) دوامى الهوادى (: اراد دَوَامى، فسكن اضظرارًا.
) يَقولوُن تأثير الكواب في الورى ... فما بالهُ تأثيره في الكواكب (
أثر فيها باعتلائه عليها. يقول: أثر هو في الكواكب؛ وهو من الورى فكيف زعموا أن الكواكب تؤثر في الورى. يذهب إلى تكذيب المنجمين، فيقع فيما هو أوحش وأفحش من قولهم، وهو قوله: إن هذا الممدوح أثر في النجوم بفضله عليها. وهذا نحو قوله:
فتبًاّ لدِينِ عَبيدِ النُجُوِم ... وَمَنْ يَدَّعِي أنها تَفْعَلُ
وقَد عَرفتكَ فما بالُها ... تَراكَ تراها ولا تَنزِلُ
) يرى أن ماما بان منك لضاربٍ ... بأقْتَلَ مما بان مِنْك لعائِبِ
أي يرى أنه ليس الذي بان منك لضارب، بأقتل مما بان منك لعائب. أي العيب أقتلُ من الضرب. ففي) أن (مُضمر على شريط التفسير، وما الأولى نفي، والثانية بمعنى الذي والجملة بكليتها تفسير المضمر على شريط التفسير.
) حَملتُ اليه من لِساني حديقةً ... سَقَاهاَ الحجا سقْي الرياض السَّحائبِ (
الحديقة: الروضة. شبه القصيدة بها في حسنها، إلا أن الذي قام لها مقام السحاب للحديقة، إنما هو هقلي، بأنه سقاها بفكره وبأمله، سقى السحابِ الرياض، كقول أبى تمام في صفة الشعر:
ولكنه صوبُ العُقُول إذا ابجلتْ ... سحائبُ منه أعقبتْ بسحائبِ
وأراد سقي السحاب الرياض فصل بين المضافين اضطرارًا.
وله ايضا:
) كتمتُ حبك حتى عنك تكرمةً ... ثم استوى فيك إسرارى وإعلانى (
أي كَتَمتُ حبي عن الأنام، حتى عنك وإنما كان كتمانه تكرمة لك، ثم غلبني ذلك فاستوى سري وجهري أي أظهرت منه مثل ما كنت أخفي.
) كَأنه زَادَ حَتى فَاض عَن جسدِي ... فَصَارَ سُقمى به جسمِ كتمانى (
أي كأن الحب زاد حتى سَقِمتُ، فغاض بعض سُقمى إلى جسم كتمانى، فمرض الكتمان، وبطل، فظهر الحب. وهذا اعتذار منه إلى محبوبه في إعلانه بحبه. أي إنما كان ذلك لهذا. واستعار للكتمان جسمًا، وان كان عرضًا، لانه ذكر السُّقم، والسُّقم عرض، والعض لابد له من محل.
وان شئت قلت: الهاء في كأنه راجعة إلى الكتمان. وإن لم يجر له ذكر كقوله: من كذب كان شرا، أي كان الكذب شرا له. حكاه سيبويه. ومثله كثير في التنزيل وغيره. فيكون المعنى على هذا، كأن الكتمان فاض عن جسدي فتغشى الجسم؛ واستتر العرض في أغلب الأمر. ولما قال إن الكتمان مشتمل على الجسم كاشتمال الثوب، استجاز أن يجعل الكتمان جسمًا مؤلفا، وقد خفي جسمه وظهر ما فاض عليه من الكتمان، فكأن السُّقم في جسم الكتمان.
وله ايضا:) ولقد علمنا أننا في طاعة الفراق والانقياد له، لتيقننا الموت، الذي هو أشد أنواع الفاق، لانه اضطراري الوجود، وغيره من أنواع الفراق ممكنٌ لا واجب، وكأنه قال: نحن متيقنون لوقوعه، لعلمنا أننا نموت. وذكر الطاعة، لأن الامتناع من الموت ممتنع.
ومن ظريف هذا البيت: أيجابه إطاعة الجنس، وجعله علة ذلك إطاعة النوع الضروري، لأن النوع قابل لاسم الجنس. وهذا منه تفلسف منطقي بديع.
وله ايضا:
) أعلى قناة الحُسين أوسطُها ... فيه وأعْلَى الكمى رِجْلاهُ (
) فيه (: أي في المأزق. ومعناه: أنه لما طعن بها الفارس تحنَّت، وتقوست أحد طرفيها في المطعن والآخر في يد الطاعن، فيعتمد عليه، فصار أوسطها أعلى أنبوب فيها.) وأعلى الكمى رجلاه (أي يطعُن الفارس فيخر مكبوًاّ: أعلاه رجلاهُ وأسفله رأسه.
) تُنشدُ أثوابا مدائحه ... بألسن مالهن أفواهُ (
أي تدل من رآها أنا قد مدحناه، فأخذنا مدحه، فتخبر عن جودة المدح بجودتها، اذ لا يكافئ الممدوحُ الناقد بالجيد إلا على الجيد.
وقيل: عنى أنها جُدد، فهي تُقعقُع. وهذا لا يلتف اليه.
) إذا مَرَرنْا على الأصم بها ... أغْنَتْه عن مِسْمَعَيْهِ عَيناهُ (
) بها (: أي بالحُلل. ويقول: إذا رأى الأصمُ علينا هذه الحلل التي كساناها ابو العشائر، علم أننا داعون له من أجلها، وشاكرون عليها، لما يُرى من بهائها وسنائها وإن لم يسمع شكرنا إياه، ولا دعاؤنا له. فعيانه موثوفٌ به، بل هو أشد إعرابًا عن ذلك من اللسان. لأن اللسان ربما حذف إما اختصارًاوإما لُكنة. ونحو هذا البيت قوله هو:
خلفت فاتُك في العيون كلامه ... كالخط يملأ مسمعي من أبصرا
1 / 42